تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (60)

وقوله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) قال بعضهم : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) ولا تخرجوا إلى الحروب والمغازي[ في الأصل وم : من المغازي ] كما خرجتم إلى بدر بلا سلاح ولا قوة لأنه أراد أن يجعل حرب بدر آية ليميز بين المحق والمبطل وبين الحق والباطل . لذلك أمركم بالخروج إليه بلا سلاح ولا عدة . وأما غيرها من الحروب والمغازي فلا تخرجوا إليها إلا مستعدين لها .

وبعد فإنهم إنما تركوا الاستعداد طاعة لربهم ، وفي الاشتغال بالاستعداد ترك للطاعة له . وأمر عز وجل بالإعداد[ في الأصل وم : بالاعتداد ] لهم ما استطاعوا من الأسباب لما أن ذلك أرهب للعدو من ترك الاستعداد ، وإن كن عز وجل قادرا أن ينصرهم على عدوهم بلا أسباب[ في الأصل وم : سبب ] يجعلها لأنفسهم ، وهو كقوله ( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله )[ الحشر : 13 ] فأمر الله بالأسباب في الحروب ، وإن كان قادرا على نصر أوليائه على عدوه بلا سبب .

لكنه أمر بالأسباب لما أن جميع أمور الدنيا جعلها بالأسباب من نحو الموت والحياة وجميع الأشياء ، وإن كان يقدر على إبقاء الإنسان والخلائق جميعا بلا غذاء ؛ يجعل لهم [ الحياة ][ ساقطة من الأصل وم ] والموت بلا مرض ولا سبب ، ولكن فصل بما ذكرنا .

ثم اختلف في قوله : ( من قوة ) قال بعضهم : القوة : الرمي . وعلى ذلك رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) فقال : ألا إن القوة الرمي » قال ذلك ثلاثا[ مسلم1917 ] .

ويحتمل قوله : ( ما استطعتم من قوة ) ما تقوون به . وقال بعضهم : القوة السلاح ، وقال غيرهم[ في الأصل وم : غيره ] : الخيل ، وأمكن أن تكون جميع الأسباب للحرب . [ في الأصل وم : الحرب ] .

وفيه دلالة أن القوة التي هي أسباب الفعل يجوز أن تتقدم ، ويكون قوله ( لو استطعنا لخرجنا معكم )[ التوبة : 42 ] أراد استطاعة الفعل ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) أمر برباط الخيل و الإعداد للحرب رهبة للعدو ( وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) اختلف أهل التأويل فيه :

قال بعضهم : ترهبون برباط الخيل المشركين . وقالوا[ في الأصل وم : وقال ] ( وآخرين من دونهم ) اليهود والنصارى ، وهؤلاء الذين كانوا في ما بينهم ، يرهبون[ في الأصل وم : يرهب ] هؤلاء أيضا .

وقال بعضهم : ( وآخرين من دونهم ) الذين كانوا بينهم لا يعرفونهم كانوا طلائع[ في الأصل وم : طلائعا ] للمشركين وعيونا لهم ، يخبرونهم عن حال المؤمنين ، يرهبون[ في الأصل وم : يرهب ] هؤلاء أيضا .

وقال آخرون : قوله : ( وآخرين من دونهم ) ثم الشياطين ، ورووا على ذلك عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «هم الشياطين » وقال : «لن يخبل الشيطان إنسانا في داره فرس عتيق »[ ابن حجر في المطالب العالية ، 3630 ] .

ويحتمل أن يكون قوله : ( وآخرين من دونهم ) هم الأعداء الذين يكونون من بعد إلى يوم القيامة ( لا تعلمونهم الله يعلمهم ) فإن كان ذلك ففيه دلالة بقاء الجهاد إلى يوم القيامة .

وقال بعضهم : ( وآخرين من دونهم ) هم الشياطين ( لا تعلمونهم الله يعلمهم ) وهو كقوله : ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم )[ الأعراف : 27 ] .

فإن قيل : أي رهبة تقع للشياطين في ما ذكرنا من رباط الخيل والسلاح الذي ذكر ؟ قيل : ألا يكون لأوليائهم رهبة في قمع أوليائهم ، أو يكون لأوليائهم رهبة نسب ذلك إليهم . وذلك كثير في القرآن .

وقوله تعالى : ( عدو الله وعدوكم ) سمى عدو الله [ وعدوكم عدوا ][ في الأصل وم : وعدوكم سمى عدو الله ، في م : وعدوا ] للمؤمنين ليعلم من اعتقد عداوة الله صار عدوا للمؤمنين ، ومن اعتقد ولاية الله صار وليا للمؤمنين ، ومن كان وليا للمؤمنين كان[ في الأصل وم : يكون ] وليا لله .

قوله تعالى : ( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) أخبر أن ما تنفقوا في سبيل الله يوفى إليهم[ في الأصل وم : عليهم ] ذلك . أما الخلف في الدنيا [ فهو ][ ساقطة من الأصل وم ] لقوله : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه )[ سبإ : 39 ] وأما في الآخرة [ فهو ][ ساقطة من الأصل وم ] الثواب .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وأنتم لا تظلمون ) [ فيه وجهان :

أحدهما ][ ساقطة من الأصل وم ] : في ما يأمركم بالجهاد في سبيل الله واتخاذ العدة والإنفاق فيها ؛ إذ أنفسكم وأموالكم لله ؛ له أن يأخذها منكم .

والثاني : ( وأنتم لا تظلمون ) في الثواب في الآخرة ؛ أي يعطيكم الثواب ، أو الخلف في الدنيا ، والله أعلم .