النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡخُلَطَآءِ لَيَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَقَلِيلٞ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ۩} (24)

قوله عز وجل : { قال لقد ظَلَمَكَ بسؤال نعجتِك إلى نعِاجه } فإن قيل فكيف يحكم لأحد الخصمين على الآخر بدعواه ؟ ففيه جوابان :

أحدهما : أن الآخر قد كان أقر بذلك فحكم عليه داود عليه السلام بإقراره ، فحذف اكتفاء بفهم السامع ، قاله السدي . الثاني : إن كان الأمر كما تقول لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه .

{ وإنَّ كثيراً من الخُلَطاءِ } يحتمل وجهين : أحدهما : الأصحاب . الثاني : الشركاء .

{ لَيَبْغِي بعضهم على بعض } أي يتعدى .

{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } تقديره فلا يبغي بعضهم على بعض ، فحذف اكتفاء بفهم السامع .

{ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } فيه وجهان : أحدهما : وقليل ما فيه من يبغي بعضهم على بعض ، قاله ابن عباس .

الثاني : وقليل من لا يبغي بعضهم على بعض ، قاله قتادة .

وفي { ما } التي في قوله { وقليل ما هم } وجهان : أحدهما : أنها فضلة زائدة تقديره : وقليل هم . الثاني : أنها بمعنى الذي ، تقديره : وقليل الذين هم كذلك .

{ وظن داود أنما فتنّاه } قال قتادة أي علم داود إنما فتناه وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : اختبرناه ، قاله ابن عباس .

الثاني : ابتليناه ، قاله السدي . الثالث : شددنا عليه في التعبد ، قاله ابن عيسى .

{ فاستغفر ربَّه } من ذنبه قال قتادة : قضى نبي الله على نفسه ولم يفطن لذلك ، فلما تبين له الذنب استغفر ربه .

واختلف في الذنب على أربعة أقاويل : أحدها : أنه سمع من أحد الخصمين وحكم له قبل سماعه من الآخر .

الثاني : هو أن وقعت عينه على امرأة أوريا بن حنان واسمها اليشع وهي تغتسل فأشبع نظره منها حتى علقت بقلبه . الثالث : هو ما نواه إن قتل زوجها تزوج بها وأحسن الخلافة عليها ، قاله الحسن .

وحكى السدي عن علي كرم الله وجهه قال : لو سمعت رجلاً يذكر أن داود قارف من تلك المرأة محرَّماً لجلدته ستين ومائة لأن حد الناس ثمانون وحد الأنبياء ستون ومائة حَدّان .

{ وخَرّ راكعاً وأناب } أي : خرّ ساجداً وقد يعبر عن السجود بالركوع ، قال الشاعر :

فخر على وجهه راكعاً *** وتاب إلى الله من كل ذنب

قال مجاهد : مكث أربعين يوماً ساجداً لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينيه فغطى رأسه إلى أن قال الله تعالى :