النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} (29)

قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تِأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه الزنى ، والقمار ، والبخس ، والظلم ، وهو قول السدي .

والثاني : العقود الفاسدة ، وهو قول ابن عباس .

والثالث : أنه نهى أن يأكل الرجل طعام قِرى وأَمَر أن يأكله شِرى ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في سورة النور :

{ وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ }

[ النور :61 ] إلى قوله : { أَوْ أَشْتَاتاً } وهو قول الحسن ، وعكرمة .

{ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ } فيه قولان :

أحدهما : أن التراضي هو أن يكون العقد ناجزاً بغير خيار ، وهو قول مالك ، وأبي حنيفة .

والثاني : هو أن يخير أحدهما صاحبه بَعد العقد وقبل الافتراق ، وهو قول شريح ، وابن سيرين ، والشعبي .

وقد روى القاسم بن سليمان الحنفي عن أبيه عن ميمون بن مهران قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ وَالخِيَارُ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلمٍ أَنْ يَغِشَّ مٌسْلِماً " .

{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } فيه قولان :

أحدهما : يعني لا يقتل بعضكم بعضاً ، وهذا قول عطاء ، والسدي ، وإنما كان كذلك لأنهم أهل دين واحد فصاروا كنفس واحدة ، ومنه قوله تعالى :

{ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ }

[ النور :61 ] .

والثاني : نهى أن يقتل الرجل نفسه في حال الغضب والضجر .