النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلِكُلّٖ جَعَلۡنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (33)

قوله تعالى : { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَلِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ } وفي الموالي قولان :

أحدهما : أنهم العصبة ، وهو قول ابن عباس ، وقتادة ، ومجاهد ، وابن زيد .

والثاني : هم الورثة ، وهو قول السدي ، وهو أشبه{[630]} بقوله تعالى : { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي } قال الفضل بن عباس :

مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا *** لا تنبشوا بيننا ما كان مَدْفوناً

{ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ{[631]} أَيْمَانُكُمْ فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } هي مفاعلة من عقد الحلف ، ومعناه : والذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم بالحلف بينكم وبينهم ، فآتوهم نصيبهم .

وفي المراد بهذه المعاقدة وبالنصيب المستحق خمسة أقاويل :

أحدها : أن حلفهم في الجاهلية كانوا يتوارثون به في الإسلام ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في الأنفال :

{ وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ }

[ الأنفال : 75 ] وهذا قول ابن عباس ، وعكرمة ، وقتادة .

والثاني : أنها نزلت في الذين آخى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم ، من المهاجرين والأنصار ، فكان بعضهم يرث بعضاً بتلك المؤاخاة بهذه الآية ، ثم نسخها ما تقدم من قوله تعالى :

{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانَ والأَقْرَبُونَ }

[ النساء :33 ] ، وهذا قول سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وابن زيد .

والثالث : أنها نزلت في أهل العقد بالحلف ولكنهم أُمِرُوا أن يؤتوا بعضهم بعضاً من النصرة والنصيحة والمشورة والوصية دون الميت ، وهذا قول مجاهد ، وعطاء ، والسدي . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله قيس بن عاصم عن الحِلف فقال : " لاَ حِلْفَ في الإْسلاَمِ ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلفِ الجاهِلِيَّةِ فَلَمْ يُزِدْهُ الإِسْلاَمُ إلا شِدَّةً " {[632]} .

والرابع : أنها نزلت في الذين يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية ، فَأُمِرُوا في الإِسلام أن يوصوا لهم عند الموت بوصية ، وهذا قول سعيد بن المسيب .

والخامس{[633]} : أنها نزلت في قوم جعل لهم نصيب من الوصية ، ثم هلكوا فذهب نصيبهم بهلاكهم ، فَأُمِرُوا أن يدفعوا نصيبهم إلى ورثتهم ، وهذا قول الحسن البصري .


[630]:- أشبه: سقطت من ك.
[631]:- قراءة حفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي، عقدت وقد جاءت في الأصول عاقدت فأثبتناها وهي قراءة متواترة أيضا لبقية القراء العشرة المعروفين.
[632]:- البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومسند أحمد 1/155، 2/ 271.
[633]:- سقط من ك.