النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡۖ فَمَن يَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّيٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (115)

قوله تعالى : { قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ }

وهذا وعد من الله تعالى أجاب به سؤال عيسى كما كان سؤال عيسى إجابة للحواريين .

واختلفوا في نزول المائدة على ثلاثة أقاويل .

أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى لخلقه ، ينهاهم به عن مسألة الآيات لأنبيائه ، قاله مجاهد .

والثاني : أنهم سألوا ووعدهم بالإِجابة ، فلما قال لهم : { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً منَ العَالَمِينَ } استعفوا منها فلم تنزل عليهم ، قاله الحسن .

والثالث : أنهم سألوا فأجابهم ، ولم يستعفوا ، لأنه ما حكى الاستعفاء عنهم ، ثم أنزلها عليهم ، لأنه قد وعدهم ، ولا يجوز أن يخلف وعده .

ومن قال بهذا اختلفوا في الذي كان عليها حين نزلت على ستة أقاويل :

أحدها : أنه كان عليها ثمار الجنة ، قاله قتادة .

والثاني : أنه كان عليها خبز ولحم ، قاله عمار بن ياسر .

والثالث : أنه كان عليها سبعة أرغفة ، قاله إسحاق بن عبد الله .

والرابع : كان عليها سمكة فيها طعم كل الطعام ، قاله عطاء ، وعطية .

والخامس : كان عليها كل طعام إلا اللحم ، قاله ميسرة .

والسادس{[843]} : رغيفان وحوتان ، أكلوا منها أربعين يوماً في سفرة ، وكانوا ومن معهم نحو خمسة آلاف ، قاله جويبر .

وأُمِرُوا أن يأكلوا منها ولا يخونوا ولا يدخروا ، فخانوا وادخروا فَرُفِعَتْ .

وفي قوله تعالى : { . . . عَذَاباً لا أعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ العَالَمِينَ } قولان :

أحدهما : يعني من عالمي زمانهم .

والثاني : من سائر العالمين كلهم .

وفيهم قولان : أحدهما : هو أن يمسخهم قردة ، قاله قتادة .

والثاني : أنه جنس من العذاب لا يعذب به غيرهم لأنهم كفروا بعد أن رأوا من الآيات ما لم يره غيرهم ، فكانوا أعظم كفراً فصاروا أعظم عذاباً .

وهل هذا العذاب في الدنيا أو في الآخرة ؟ قولان{[844]} :

وفي الحواريين قولان :

أحدهما : أنهم خواص الأنبياء .

والثاني : أنهم المندوبون لحفظ شرائعهم إما بجهاد أو علم .

وفي تسميتهم بذلك ثلاثة أقاويل :

أحدها : لبياض ثيابهم ، وهذا قول ابن عباس ، تشبيهاً بما هم عليه من نقاء سرائرهم ، قاله الضحاك ، وهو بلغة القبط حواري .

والثاني : لنظافة ثيابهم وطهارتها بطهارة قلوبهم .

والثالث : بجهادهم عن أنبيائهم ، قال الشاعر :

ونحن أناس نملأ البيد مأمنا *** ونحن حواريون حين نزاحف{[845]}


[843]:- سقط من ق.
[844]:-أي قول أن هذا العذاب في الدنيا والقول الثاني- أنه في الآخرة.
[845]:- من وفي الحواريين إلى هنا سقط من ق.