النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأنعام مكية كلها في قول الأكثرين ، وقي إنها نزلت جملة واحدة .

وقال ابن عباس وقتادة : هي مكية إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة : إحداهما : " وما قدروا الله حق قدره " نزلت في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف اليهوديين . والأخرى " وهو الذي أنشأ جنات معروشات " نزلت في ثابت بن قيس بن شماس .

وقال ابن جريج نزلت في معاذ بن جبل{[1]} . {[2]} .

قوله عز وجل : { الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ . . . } الآية . قال وهب بن منبه : فاتحة التوارة فاتحة الأنعام إلى قوله : { يَعْدِلُونَ } ، وخاتمة التوراة خاتمة هود .

وقوله : { الحَمْدُ لِلَّهِ } جاء على صيغة الخبر وفيه معنى الأمر ، وذلك أولى من أن يجيء بلفظ الأمر فيقول احْمِدِ الله ، لأمرين :

أحدهما : أنه يتضمن تعليم اللفظ والمعنى ، وفي الأمر المعنى دون اللفظ .

والثاني : أن البرهان إنما يشهد بمعنى الخبر دون الأمر .

{ الَّذِي خَلَقَ السَمَوَاتِ والأرضَ } لأن خلق السموات والأرض نِعَمٌ تستوجب الحمد ، لأن الأرض تقل ، والسماء تظل ، وهي من أوائل نعمه على خلقه ، ولذلك استحمد بخلقها وأضاف خلقها إلى نفسه عند حمده ، على أن مستحق الحمد هو خالق السموات والأرض ، ليكون باستحقاق الحمد منفرداً لانفراده بخلق السموات والأرض{[851]} .

وفي جمع السموات وتوحيد الأرض وجهان :

أحدهما : لأن السموات أشرف من الأرض ، والجمع أبلغ في التفخيم من التوحيد كقوله تعالى :

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلَنَا الذِّكْرَ }

[ الحجر : 9 ] .

والثاني : لأن أوامره إلى الأرض تخترق جميع السماوات السبع .

وفي تقديم السموات على الأرض وجهان :

أحدهما : لتقدم خلقها على الأرض .

والثاني : لشرفها فقدمها على ذكر الأرض وإن كانت مخلوقة بعد الأرض .

وهذان الوجهان من اختلاف العلماء أيهما خُلِقَ أولاً .

{ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } يعني وخلق ، فغاير بين اللفظ ليكون أحسن في النظم ، والمراد بالظلمات والنور هنا ثلاثة أوجه : أحدها : وهو المشهور من قول قتادة ، قدم الظلمة على النور لأنه قدم خلق الظلمة على خلق النور ، وجمع الظلمات ووحد النور لأن الظلمات أعم من النور .

والثاني : أن الظلمات : الليل ، والنور : النهار .

والثالث : أن الظلمات : الكفر ، والنور : الإِيمان ، قاله السدي .

ولأصحاب الخواطر ، فيه ثلاثة أوجه أُخَر :

أحدها : أن الظلمات : الأجسام ، والنور : الأرواح .

والثاني : أن الظلمات : أعمال الأبدان ، والنور : ضمائر القلوب .

والثالث : أن الظلمات : الجهل ، والنور : العلم .

{ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } أي يجعلون له مع هذه النعم عدلا ، يعني مثلاً .

وفيه قولان :

أحدهما : أنهم يعدلون به الأصنام التي يعبدونها .

والثاني : أنهم يعدلون به إلهاً غيره لم يُخْلَق مثل خلقه .


[1]:- ذكر العلماء لفاتحة الكتاب اثنى عشر اسما هي: فاتحة الكتاب وأم القرآن وأم الكتاب وسورة الصلاة وسورة الحمد والسبع المثاني والقرآن العظيم والشفاء والرقية والأساس والوافية والكافية، والحديث عند أبي داود رقم 1457 والترمذي رقم 3320.
[2]:- آية 4 الزخرف.
[851]:- زيادة من ك.