المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ} (1)

مقدمة السورة:

امتن الله في هذه السورة على رسوله صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخير الكثير ، والنعم العظيمة في الدنيا والآخرة ، وطلب منه أن يديم الصلاة خالصة لوجهه ، وأن يتقرب إلى الله بالأضحية شكرا على ما أولاه من الكرامة ، ثم ختمت السورة ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم بقطع مبغضه وشانئه .

1- إنا أوليناك الخير الكثير الدائم في الدنيا والآخرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية{[1]} .

قرأ الحسن : «إنا أنطيناك » ، وهي لغة في أعطى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «واليد المنطية خير من السفلى{[12004]} » ، وقال الأعشى : [ المتقارب ]

جيادك خير جياد الملوك . . . تصان الجلال وتنطى الشعيرا{[12005]}

قال أنس وابن عمر وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين : { الكوثر } : نهر في الجنة ، حافتاه قباب من در مجوف ، وطينه مسك ، وحصباؤه ياقوت ، ونحو هذا من صفاته ، وإن اختلفت ألفاظ الرواة ، وقال ابن عباس أيضاً : { الكوثر } : الخير الكثير .

قال القاضي أبو محمد : كوثر : بناء مبالغة من الكثرة ، ولا مجال أن الذي أعطى الله محمداً عليه السلام من النبوة ، والحكمة ، والعلم بربه ، والفوز برضوانه ، والشرف على عباده ، هو أكثر الأشياء وأعظمها ، كأنه يقول في هذه الآية : { إنا أعطيناك } الحظ الأعظم . قال سعيد بن جبير : النهر الذي في الجنة هو من الخير الذي أعطاه الله إياه ، فنعم ما ذهب إليه ابن عباس ، ونعم ما تمم ابن جبير رضي الله عنهم . وأمر النهر ثابت في الآثار في حديث الإسراء وغيره ، صلى الله عليه وسلم على محمد ، ونفعنا بما منحنا من الهداية . قال الحسن : { الكوثر } ، القرآن . وقال أبو بكر بن عياش : هو كثرة الأصحاب والأتباع . وقال جعفر الصادق : نور في قلبه ، ودله عليه ، وقطعه عما سواه . وقال أيضاً : هو الشفاعة . وقال هلال بن يساف{[12006]} : هو التوحيد .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[12004]:أخرجه الإمام أحمد، عن عروة بن محمد بن عطية، عن أبيه عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اليد المعطية خير من اليد السفلى)، هكذا بالعين في (المعطية) أما بالنون فقد قال القرطبي: "روته أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي لغة في العطاء، أنطيته: أعطيته"، على أنه قد ورد التعبير "أنطى" بدلا من "أعطى" في بعض أحاديث أخرى، منها ما أخرجه أبو داود والدارمي في الصلاة، وأحمد في مسنده (5/133)، ولفظه: عن أبي بن كعب قال: كان رجل بالمدينة، لا أعلم رجلا كان أبعد منه منزلا – أو قال: دارا- من المسجد منه، فقيل له: لو اشتريت حمارا فركبته في الرمضاء والظلمات، فقال: ما يسرني أن داري- أو قال: منزلي- إلى جنب المسجد، فنمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أردت بقولك: ما يسرني أن منزلي –أو قال: داري- إلى جنب المسجد؟ قال: أردت أن يكتب إقبالي إذا أقبلت إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، قال: أعطاك الله تعالى ذلك كله، أو: أنطاك الله ما احتسبت أجمع، أو: أنطاك الله تعالى ذلك كله لما احتسبت أجمع.
[12005]:هذا بيت من قصيدة قالها الأعشى يمدح هوذة بن علي الحنفي، والرواية في الديوان: (جيادك في الصيف في نعمة) وذلك أن الصيف وقت الجفاف وقلة الخير، والجلال: جمع جل، وهو ما تلبسه الدابة لتصان به، يقول: إن خيلك هي خير الخيول وأفضلها لأنها تصان بالجلال وتأكل الشعير في الوقت الذي لا يجد فيه غيرها شيئا من ذلك، على أن الرواية بالنون لم ترد في الديوان ولا في غيره مع أنها لغة معروفة ،والشواهد عليها في اللغة كثيرة، وفي الحديث (وإن مال الله مسئول ومنطى) أي معطى، وروى الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: أنطه كذا وكذا، أي أعطه، وأنشد ثعلب: من المنطيات الموكب المعج بعدما يرى في فروع المقلتين نضوب راجع اللسان والتاج والصحاح وغيرها من كتب اللغة.
[12006]:هو هلال بن يساف –بكسر الياء، ثم سين بدون فقط، ثم فاء- ويقال: ابن إساف- بالهمزة، الأشجعي، مولاهم الكوفي، ثقة. (تقريب التهذيب).