الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ} (1)

مقدمة السورة:

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة { إنا أعطيناك الكوثر } بمكة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير وعائشة مثله . وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن ميمون قال : لما طعن عمر وماج الناس تقدم عبد الرحمن بن عوف فقرأ بأقصر سورتين في القرآن { إنا أعطيناك الكوثر } و { إذا جاء نصر الله والفتح } [ النصر : 1 ] .

وأخرج البيهقي عن ابن شبرمة قال : ليس في القرآن سورة أقل من ثلاث آيات .

وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : { إنا أعطيناك الكوثر } قال : نهر في بطنان الجنة حافتاه قباب الدر والياقوت ، فيه أزواجه وخدمه . قال : وبأي شيء ذكر ذلك ؟ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل من باب الصفا وخرج من باب المروة ، فاستقبله العاص بن وائل السهمي ، فرجع العاص إلى قريش ، فقالت له قريش : من استقبلك يا أبا عمرو آنفاً ؟ قال : ذلك الأبتر ، يريد به النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى أنزل الله هذه السورة { إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر } يعني عدوّك العاص بن وائل هو الأبتر من الخير . لا أذكر في مكان إلا ذكرت معي يا محمد ، فمن ذكرني ولم يذكرك ليس له في الجنة نصيب . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت يقول :

وحباه الإِله بالكوثر *** الأكبر فيه النعيم والخيرات

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال : أغفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة ، فرفع رأسه متبسماً فقال : «إنه نزلت عليّ آنفاً سورة فقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر } حتى ختمها ، قال : هل تدرون ما الكوثر ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هو نهر أعطانيه ربي في الجنة ، عليه خير كثير ، ترده أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب ، يختلج العبد منهم فأقول : يا رب إنه من أمتي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدث بعدك » .

وأخرج مسلم والبيهقي من وجه آخر بلفظ ثم رفع رأسه فقرأ إلى آخر السورة ، قال البيهقي : والمشهور فيما بين أهل التفاسير والمغازي أن هذه السورة مكية ، وهذا اللفظ لا يخالفه فيشبه أن يكون أولى .

وأخرج الطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية { إنا أعطيناك الكوثر } .

وأخرج أحمد وابن المنذر وابن مردويه عن أنس أنه قرأ هذه الآية { إنا أعطيناك الكوثر } قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر في الجنة يجري ولم يشق شقاً ، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى تربته فإذا هو مسكة ذفرة ، وإذا حصاه اللؤلؤ » .

وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر . قلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله » .

وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن أنس : «أن رجلاً قال : يا رسول الله : ما الكوثر ؟ قال : نهر في الجنة أعطانيه ربي ، لهو أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر . قال عمر : يا رسول الله إنها لناعمة . قال : آكلها أنعم منها يا عمر » .

وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «قد أعطيت الكوثر ، قلت : يا رسول الله ، ما الكوثر ؟ قال : نهر في الجنة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب ، لا يشرب منه أحد فيظمأ ، ولا يتوضأ منه أحد فيتشعث أبداً ، لا يشرب منه من أخفر ذمتي ، ولا من قتل أهل بيتي » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عطاء بن السائب قال : قال لي محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت : حدثنا عن ابن عباس أنه الخير الكثير . فقال : صدقت والله إنه للخير الكثير ، ولكن حدثنا ابن عمر قال : نزلت { إنا أعطيناك الكوثر } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل » .

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى : { إنا أعطيناك الكوثر } قالت : هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم في بطنان الجنة ، شاطئاه عليه در مجوّف فيه من الآنية والأباريق عدد النجوم .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : { إنا أعطيناك الكوثر } قال : الخير الكثير . وقال أنس بن مالك : نهر في الجنة ، وقالت عائشة : هو نهر في الجنة ليس أحد يدخل أصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أوتيت الكوثر آنيته عدد النجوم » .

وأخرج ابن مردويه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إنا أعطيناك الكوثر } قال : نهر أعطاه الله محمداً في الجنة .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب وفضة ، يجري على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج ، وأحلى من العسل .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إنا أعطيناك الكوثر } قال : نهر في الجنة ، عمقه سبعون ألف فرسخ ، ماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، شاطئاه الدر والياقوت والزبرجد ، خص الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم دون الأنبياء .

وأخرج البخاري وابن جرير والحاكم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : الكوثر الخير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : فإن ناساً يزعمون أنه نهر الجنة . قال : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه .

وأخرج الطبراني في الأوسط عن حذيفة في قوله : { إنا أعطيناك الكوثر } قال : نهر في الجنة ، أجوف فيه آنية من الذهب والفضة لا يعلمها إلا الله .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أسامة بن زيد : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوماً فلم يجده ، فسأل امرأته عنه فقالت : خرج آنفاً ، أوَلاَ تدخل يا رسول الله ؟ فدخل ، فقدمت له حيساً فأكل ، فقالت : هنيئاً لك يا رسول الله ومريئاً ، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك ، أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهراً في الجنة يدعى الكوثر ، فقال : أجل ، وأرضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ » .

وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : «أن رجلاً قال : يا رسول الله ، ما الكوثر ؟ قال : نهر من أنهار الجنة أعطانيه الله عرضه ما بين إيلة وعدن . قال : يا رسول الله أله طين أو حال . قال : نعم المسك الأبيض . قال : له رضراض حصى ؟ قال : نعم ، رضراضه الجوهر وحصباؤه اللؤلؤ . قال : أله شجر ؟ قال : نعم ، حافتاه قضبان ذهب رطبة شارعة عليه . قال : ألتلك القضبان ثمار ؟ قال : نعم ، تنبت أصناف الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر ، فيه أكواب وآنية وأقداح تسعى إلى من أراد أن يشرب منها ، منتشرة في وسطه كأنها الكوكب الدري » .

وأخرج ابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { إنا أعطيناك الكوثر } قال : نهر في الجنة حافتاه قباب الدر فيه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرج هناد وابن جرير عن عائشة رضي الله عنها قالت : من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليجعل أصبعيه في أذنيه .

وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن مجاهد رضي الله عنه قال : الكوثر خير الدنيا والآخرة .

وأخرج هناد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عكرمة رضي الله عنه قال : الكوثر ما أعطاه الله من النبوّة والخير والقرآن .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : الكوثر القرآن .

وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم { إنا أعطيناك الكوثر } قال : النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل : ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ قال : إنها ليست بنحيرة ، ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع ، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السموات السبع ، وإن لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله : { فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } [ المؤمنون : 76 ] » .