إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وآيها ثلاث .

{ إِنَّا أعطيناك } وقُرِئَ أَنْطَينَاكَ { الكوثر } أيِ الخيرُ المفرطُ الكثيرُ من شرفِ النبوةِ الجامعةِ لخيريِّ الدارينِ ، والرياسةِ العامةِ المستتبعةِ لسعادةِ الدُّنيا والدين ، فوعلٌ منَ الكثرةِ . وقيلَ : هُوَ نهرٌ في الجنةِ . وعنِ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنه قرأهَا فقالَ : «أتدرونَ ما الكوثَرُ ؟ إنَّه نهرٌ في الجنةِ وَعَدنيهِ ربِّي ، فيهِ خيرٌ كثيرٌ »{[863]} . ورُويَ في صفتِهِ أنَّه أَحْلَى من العسلِ ، وأشدُّ بياضاً من اللبنِ ، وأبردُ من الثلجِ ، وألينُ من الزبدِ . حافتاهُ الزبرجدُ وأوانيهِ من فضةٍ عددَ نجومِ السماءِ . ورُوي لا يظمأُ من شربَ منْهُ أبداً ، أولُ وارديهِ فقراءُ المهاجرينَ الدَّنِسُو الثيابِ ، الشُّعْثُ الرؤوسِ ، الذينَ لا يزوجونَ المنعمّاتِ ، ولا تفتحُ لهم أبوابُ السُّدَدِ ، يموتُ أحدُهم وحاجتُهُ تتلجلجُ في صدرِه ، لو أقسمَ على الله لأبرَّهُ . وعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهُما أنه فسرَ الكوثرَ بالخيرِ الكثيرِ ، فقالَ لَه سعيدُ بنُ جُبيرٍ : فإنَّ ناساً يقولونَ : هُوَ نهرٌ في الجنةِ ، فقالَ : هُو منَ الخيرِ الكثيرِ ، وقيلَ : هو حوضٌ فيهَا . وقيلَ : هو وأولادُه وأتباعُه أو علماءُ أمتِه ، أو القرآنُ الحاوِي لخيرِ الدُّنيا والدينِ .


[863]:أخرجه البخاري في كتاب التفسير سورة (108) باب (1)؛ ومسلم في كتاب الصلاة حديث (53)؛ وأبو داود في كتاب الصلاة باب (122)، وفي كتاب السنة باب (23)؛ والترمذي في كتاب الجنة باب (10)؛ والنسائي في كتاب الافتتاح باب (21)؛ وأحمد في المسند (3/102، 220، 236)؛ (6/281) (ص603).