فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الكوثر

هي ثلاث آيات وهي مكية في قول ابن عباس والكلبي ومقاتل ، ومدنية في قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة أنها نزلت سورة الكوثر بمكة .

قرأ الجمهور : { إنا أعطيناك } وقرأ الحسن ، وابن محيصن ، وطلحة ، والزعفراني : ( أنطيناك ) بالنون . قيل : هي لغة العرب العاربة . قال الأعشى :

حباؤك خير حبا الملوك *** يصان الحلال وتنطى الحلولا

و{ الكوثر } فوعل من الكثرة وصف به للمبالغة في الكثرة ، مثل النوفل من النفل ، والجوهر من الجهر . العرب تسمي كلّ شيء كثير في العدد ، أو القدر ، أو الخطر كوثراً ، ومنه قول الشاعر :

وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا *** . . .

فالمعنى على هذا : إنا أعطيناك يا محمد الخير الكثير البالغ في الكثرة إلى الغاية . وذهب أكثر المفسرين ، كما حكاه الواحدي إلى أن الكوثر نهر في الجنة . وقيل : هو حوض النبيّ صلى الله عليه وسلم في الموقف قاله عطاء . وقال عكرمة : الكوثر النبوّة . وقال الحسن : هو القرآن . وقال الحسن بن الفضل : هو تفسير القرآن ، وتخفيف الشرائع . وقال أبو بكر بن عياش : هو كثرة الأصحاب والأمة . وقال ابن كيسان : هو الإيثار . وقيل هو الإسلام . وقيل : رفعة الذكر . وقيل : نور القلب . وقيل : الشفاعة . وقيل : المعجزات . وقيل : إجابة الدعوة . وقيل : لا إله إلاّ الله . وقيل : الفقه في الدين . وقيل : الصلوات الخمس ، وسيأتي بيان ما هو الحق .

/خ3