الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وآياتها 3 .

قال جماعة من الصحابة والتابعين : { الكوثر } نَهْرٌ في الجنةِ حافَّتَاه قِبَابٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ مجوَّفٍ ، وطينُه مِسْكٌ وحَصْبَاؤه يَاقُوتٌ ، ونحوُ هذا مِنْ صفاتِه ، وإنِ اختلفتْ ألْفَاظُ رُوَاتِه ، وقال ابن عباس : ( الكَوثَرُ ) الخَيْرُ الكَثِيرُ . قال ابن جُبَيْرٍ : النَّهْرُ الذي في الجنةِ هُو من الخيرِ الذي أعْطَاه اللَّهُ إياه . ( ت ) : وخَرَّجَ مسلمٌ عَنْ أنسٍ قَال : " بينَما رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يومٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ؛ إذْ أغفى إغْفَاءَةً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّماً ، فَقَالَ : نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفاً سُورَةٌ ، فَقَرَأَ : { إِنَّا أعطيناك الكوثر } إلى آخِرِهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الكَوْثَرُ ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ ، هُو حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ " الحديثُ ، انتهى . وخَرَّج ابنُ ماجه من حديثِ ثَوْبَانَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوَّلَ مَنْ يَرِدُ عَلى الحَوْضِ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ الدُّنْسُ ثِياباً ، الشُّعْثُ رُؤوساً ، الَّذِينَ لاَ يَنْكِحُونَ المُتَنَعِّمَاتِ ، وَلاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السُّدَدِ " ، قال الراوي : فبكى عمرُ بن عبدِ العزيزِ حتى أخضلت لِحْيَتُهُ ، حِينَ بلغهُ الحديثُ ، وقال : لاَ جَرَمَ ، إنِّي لاَ أَغْسِلُ ثَوْبِي الَّذِي يَلِي جَسَدِي حتى يَتَّسِخَ ، وَلاَ أَدْهِنُ رَأْسِي حتى يَشْعَثَ ، وخَرَّجَه أبو عيسى الترمذيُّ عن ثَوْبَانَ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بمعناه ، ونَقَلَ صاحبُ «التذكرة » عن أنس بن مالك قال : أَوَّلُ مَنْ يَرِدُ الحَوْضَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذَّابِلُونَ النَّاحِلُونَ السَّائِحُونَ الَّذِينَ إذَا أَجَنَّهُمُ اللَّيْلُ استقبلوه بِالحُزْنِ ، انتهى من «التذكرة » ، " ورَوَى أبو داودَ في سننِه عن أبي حمزةَ ، عن زيد بن أرقم قال : كنا مع رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً ، فَقَالَ : مَا أَنْتُمْ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّنْ يُرِدُ عَلَي الحَوْضِ ، قَال : قُلْتُ : كَمْ كُنْتُمْ يَومَئِذٍ ؟ قَالَ : ُمِائَةٍ ، أَوْ ثَمَانِمِائَةٍ " ، انتهى .