وتسمى سورة النحر ، مكية في قول ابن عباس رضي الله عنهما والكلبي ومقاتل ، ومدنية في قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة ، وهي ثلاث آيات ، وعشر كلمات ، واثنان وأربعون حرفاً .
{ بسم الله } الذي لا حد لفائض فضله { الرحمن } الذي شمل الخلائق بجوده فلا رادّ لأمره { الرحيم } الذي خص حزبه بالاعتصام بحبله .
وقوله تعالى : { إنا } أي : بما لنا من العظمة { أعطيناك } أي : خوّلناك مع التمكين العظيم يا أشرف الخلق { الكوثر } أي : نهراً في الجنة هو حوضه صلى الله عليه وسلم ، ترد عليه أمّته ، لما روي عن أنس أنه قال : «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ غفا إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسماً ، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : أنزل عليّ آنفاً سورة فقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر } إلى آخرها ، ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ؟ قال : فإنه نهر وعدنيه ربي ، خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد منهم فأقول : رب إنه من أمّتي ، فيقول : ما تدري ما أحدث بعدك » . وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل ، وأبيض من الثلج » . وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«دخلت الجنة فإذا أنا بنهر يجري ، بياضه بياض اللبن ، وأحلى من العسل ، وحافتاه خيام الدر ، فضربت بيدي فإذا الثرى مسك أذفر ، فقلت لجبريل : ما هذا ؟ قال : الكوثر أعطاكه الله تعالى » . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«حوضي مسيرة شهر ، ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من شرب منها لا يظمأ أبداً » .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعن إلىّ رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي رب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك » . وعن ثوبان أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عرضه فقال : «من مقامي إلى عمان » ، وسئل عن شرابه فقال : «أشدّ بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه ميزابان يمدانه من الجنة : أحدهما من ذهب ، والآخر من ورق » . و عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يرد عليّ يوم القيامة رهطان من أصحابي » ، أو قال : «من أمتي ، فيجلون عن الحوض فأقول : أي رب أصحابي ، فيقول : إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك . كأنهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى » .
ولمسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ترد عليّ أمّتي الحوض ، وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله ، قالوا : يا نبيّ الله تعرفنا ؟ قال : نعم ، لكم سيما ليست لأحد غيركم ، تردون عليّ غرّاً محجلين من آثار الوضوء ، وليصدنّ عني طائفة منكم فلا يصلون ، فأقول : يا رب هؤلاء أصحابي . فيجيبني فيقول : وهل تدري ما أحدثوا بعدك ؟ » . وأحاديث الحوض كثيرة ، وفيما ذكرناه كفاية لأولي الألباب ، فنسأل الله تعالى أن يروينا منه نحن وأحبابنا ، ويدخلنا وإياهم الجنة بغير حساب .
قال القاضي عياض : أحاديث الحوض صحيحة ، والإيمان به فرض ، والتصديق به من الإيمان . وقال ابن عادل : وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة لا يتأوّل ولا يختلف فيه ، وحديثه متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة اه . وقيل : الكوثر القرآن العظيم . وقيل : هو النبوّة والكتاب والحكمة . وقيل : هو كثرة أتباعه . وقيل : الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله تعالى إياه . وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : الكوثر : الخير الكثير . قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : إن ناساً يزعمون أن الكوثر نهر في الجنة ؟ فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله تعالى إياه .
وأصل الكوثر فوعل من الكثرة ، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو كثير القدر والخطر كوثراً ، قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ، قالت : آب بكوثر ، وقال الشاعر :
وأنت كثير يا ابن مروان طيب *** وكان أبوك ابن العقائل كوثرا
وقيل : الكوثر الفضائل الكثيرة التي فضلها على جميع الخلائق .
تنبيه : لا منافاة بين هذه الأقوال كلها ، فقد أعطيها النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأعطي صلى الله عليه وسلم النبوّة ، والحكمة ، والعلم ، والشفاعة ، والحوض المورود ، والمقام المحمود ، وكثرة الاتباع ، وإظهاره على الأديان كلها ، والنصر على الأعداء ، وكثرة الفتوح في زمنه إلى يوم القيامة ، وأولى الأقاويل في الكوثر -وهو الذي عليه جمهور العلماء- أنه نهر في الجنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.