الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي أثنان وأربعون حرفاً ، وعشر كلمات ، وثلاث آيات .

أخبرني الأستاذ أبو الحسين الفارسي الماوردي قال : حدّثنا أبو محمد الشيباني قال : حدّثنا أبو عمرو الحبري وأبو عثمان البصري قالا : حدّثنا محمد بن عبد الوهاب العبدي قال : حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدّثنا سلام بن سليم قال : حدّثنا هارون بن كثير ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبي أمامة ، عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ{ إنَّا أعطيناك الكوثر }سقاه الله من أنهار الجنة ، وأعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل قربان قرّبة العباد في يوم عيد ، ويقربون من أهل الكتاب والمشركين " .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا أبو علي حمزة بن محمد الكاتب قال : حدّثنا نعيم بن حماد قال : حدّثنا نوح بن أبي مريم ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن مكحول قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : " من قرأ{ إنَّا أعطيناك الكوثر }كان له ما بين المشرق والمغرب أبعرة ، على كل بعير كراريس ، كل كراسة مثل الدنيا وما فيها ، كتب له بدقة الشعر ليس فيها إلاّ صفة قصوره ومنازله في الجنة " .

{ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } قال ابن عباس : نزلت هذه السورة في العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بني سهم ، وتحدّثا وأناس من صناديد قريش في المسجد جلوس ، فلما دخل العاص قالوا له : من الذي كنت تحدث ؟ قال : ذاك الأبتر ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم . وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من خديجة ، وكانوا يسمّون من ليس له ابن أبتر ، فسمّته قريش عند موت ابنه أبتر وصنبوراً ، فأنزل الله سبحانه { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } .

قراءة العامة بالعين ، وقرأ الحسن وطلحة بن مصرف ( أنطيناك ) بالنون ، وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

أخبرناه أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن علي المطوعي بقرأتي عليه قال : حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار الأصفهاني قال : أخبرنا أبو المثنى معادين المثنى بن معاد بن نصر العبيدي قال : حدّثنا عمرو بن المحرّم أبو قتادة البصري قال : حدّثنا عبد الوارث بن عمرو ، عن الحسن ، عن أمّه ، عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( إنّا أنطيناك الكوثر ) .

والكوثر فوعل من الكثرة ، كنوفل من النفل ، وحوقر من الحقر ، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو كثير في المقدار الخطر : كوثراً . قال سفيان بن عيينة : قيل لعجوز رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ؟ قالت : آب بكوثر ، يعني بمال كثير .

واختلفوا في المراد به هاهنا : فحدّثنا أبو محمد المخلدي قال : أخبرنا أبو العباس الثقفي قال : حدّثنا أبو همام الوليد بن شجاع السكوني وعبد الله بن عمر بن أبان قالا : حدّثنا عبد الرحمن بن سلمان ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا إذا غفى إغفاءة ، أو أغمي عليه ، فرفع رأسه مبتسماً فقال : " هل تدرون ممن ضحكت ؟ " فقالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " إنه نزل عليّ سورة " فقرأ { بسم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ *إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } فقرأ حتى ختم السورة ، فلما قرأها قال : " أتدرون ما الكوثر ؟ إنه نهر في الجنة وعدنيه ربّي عز وجلّ ، فيه خير كثير ، لذلك النهر حوض يرد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب [ فيختلج ] منهم فأقول : ربِّ إنَّه من أمتي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " .

وأخبرنا أبو سعيد بن حمدون قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد قال : حدّثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي قال : حدّثنا أيوب بن سويد قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم ، عن عمّه العباس بن عبد الله بن معيد ، عن ابن عباس قال : " لما نزلت { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها على الناس ، فلما نزل قالوا : يا رسول الله ما هذا الذي قد أعطاكه الله سبحانه ؟ قال : " نهر في الجنة ، أشدّ بياضاً من اللبن ، وأشد استقامة من القدح ، حافتاه قباب الدر والياقوت ، ترده طير خضر لها أعناق كأعناق البخت " . قالوا : يارسول الله ما أنعم هذا لطائر . قال : " أفلا أخبركم بأنعم منه ؟ " قالوا : بلى : قال : " من أكل الطائر وشرب الماء فاز برضوان الله سبحانه " .

وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن جعفر المطيري قال : حدّثنا علي بن حرب قال : حدّثنا ابن فضيل قال : حدّثنا عطاء ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من الذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، وتربته أطيب من المسك ، وماءُه أحلى من العسل ، وأشد بياضاً من الثلج " . وقالت عائشة رضى الله عنها : الكوثر نهر في الجنّة يخرخر في الحوض ، فمن أحب أن يسمع خريره فليجعل أصبعيه في أذنيه .

وقال بعضهم : هو الحوض بعينه ، وصفته على ما جاء في الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف حوض الكوثر فقال : " حصباؤه الياقوت الأحمر ، والزبرجد الأخضر ، والدر والمرجان ، وحمأتهُ المسك الأذفر ، وترابه الكافور ، وماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأبرد من الثلج . يخرج : من أصل السدرة عرضه ، وطوله ما بين المشرق والمغرب . حافتاه الزعفران ، وقباب الدر والمرجان . من دخله أمن من الغرق . ولا يشرب منه أحد فيظمأ . ولا يتوضأ منه أحد فيشعث . فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر " فقال أبو بكر وعمر : إنها لناعمة . فقال : " أُكلُها أنعم منها " .

وفي خبر آخر : " لتزدحمنّ هذه الأمة على الحوض ازدحام واردات الحمر " .

وأخبرنا أبو القاسم بن حبيب في سنة ست وثلثمائة : قال : حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الصفار الأصفهاني قال : أخبرنا أبو عبد الله العمري الكوفي بالكوفة قال : حدّثنا بشر بن داود القرشي قال : حدّثنا مسعود بن سابور ، عن علي بن عاصم ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ لحوضي أربعة أركان : فأول ركن منها في يد أبي بكر ، والثاني في يد عمر ، والثالث في يد عثمان ، والرابع في يد علي ، فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر ، ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عمر ، ومن أحب عثمان وأبغض علياً لم يسقه عثمان ، ومن أحب علياً وأبغض عثمان لم يسقه علي . ومن أحسن القول في أبي بكر فقد أقام الدين ، ومن أحسن القول في عمر فقد أوضح السبيل ، ومن أحسن القول في عثمان فقد أستنار بنور الله ، ومن أحسن القول في علي فقد استمسك بالعروة الوثقى ، ومن أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن ، ومن أساء القول في أصحابي فهو منافق " .

وقال قطر بن خليفة : سألت عطاء عن الكوثر -ونحن نطوف في البيت- فقال : حوض أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم في الجنة . وروى حميد عن أنس قال : دخلنا على عبيد الله بن زياد وهم يتذاكرون الحوض فقلت : ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض ، لقد تركت خلفي عجائز ما تصلي امرأة منهن إلا سألت الله أن يسقيها من حوض محمد ، وفيه يقول الشاعر :

يا صاحب الحوض من يدانيكا *** وأنت حقاً حبيب باريكا

وقال سعيد بن جبير ومجاهد : هو الخير الكثير . وقال الحسن : هو القرآن العظيم . عكرمة : النبوة والكتاب . محمد بن إسحاق : هو العظيم من الأمر ، وذكر بيت لبيد

صاحب ملحوب فجعنا بفقده *** وعند الرداع بيت آخر كوثر

يقول : أي عظيم .

وقال أبو بكر بن عباس ويمان بن ذياب : هو كثرة الأصحاب والأشياع . ابن كيسان : هو كلمة من الكتب الأولى ، ومعناها الإيثار . الحسين بن الفضل : الكوثر شيئان : تيسير القرآن ، وتخفيف الشرائع . جعفر الصادق : الكوثر نور في قلبك دّلك عليّ ، وقطعك عما سواي . وعنه أيضاً : الشفاعة . وقيل : معجزات أكثرت بها أهل الإجابة لدعوتك . هلال بن يساق : هو قول لا اله الله محمد رسول الله . وقيل : الفقه في الدين . وقيل : الصلوات الخمس .