المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

6- يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم أي خارج عن حدود شريعة الله بأي خبر فتثبتوا من صدقه ، كراهة أن تصيبوا أي قوم بأذى - جاهلين حالهم - فتصيروا على ما فعلتم معهم - بعد ظهور براءتهم - مغتمِّين دائماً على وقوعه ، متمنين أنه لم يقع منكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ } سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق مصدقاً{[10452]} ، فروي أنه كان معادياً لهم فأراد إذايتهم ، فرجع من بعض طريقه وكذب عليهم ، قاله الضحاك ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنهم منعوني الصدقة وطردوني وارتدوا ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بغزوهم ، ونظر في ذلك ، وبعث خالد بن الوليد إليهم ، فورده وفدهم منكرين لذلك{[10453]} ، وروي عن أم سلمة وابن عباس أن الوليد بن عقبة لما قرب منهم خرجوا إليه متلقين له ، فرآهم على بعد ، ففزع منهم ، وظن بهم الشر وانصرف ، فقال ما ذكرناه{[10454]} ، وروي أنه لما قرب منهم بلغه عنهم أنهم قالوا : لا نعطيه الصدقة ولا نعطيه ، فعمل على صحة هذا الخبر وانصرف ، فقال ما ذكرناه فنزلت الآية بهذا السبب ، والوليد على ما ذكر مجاهد هو المشار إليه بالفاسق وحكى الزهراوي قالت أم سلمة : هو الوليد بن عقبة .

قال القاضي أبو محمد : ثم هي باقية فيمن اتصف بهذه الصفة غابر الدهر .

والفسق : الخروج عن نهج الحق ، وهو مراتب متباينة ، كلها مظنة للكذب وموضع تثبت وتبين ، وتأنس القائلون بقبول خبر الواحد بما يقتضيه دليل خطاب هذه الآية ، لأنه يقتضي أن غير الفاسق إذا جاء بنبإ أن يعمل بحسبه ، وهذا ليس باستدلال قوي وليس هذا موضع الكلام على مسألة خبر الواحد .

وقرأ الجمهور من القراء : «فتبينوا » من التبين . وقرأ الحسن وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى : «فتثبتوا » .

و { أن } في قوله : { أن تصيبوا } مفعول من أجله ، كأنه قال : مخافة { أن تصيبوا } . قال قتادة : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نزلت هذه الآية : «التثبت من الله والعجلة من الشيطان »{[10455]} قال منذر بن سعيد هذه الآية ترد على من قال : إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة ، لأن الله تعالى أمر بالتبين قبل القبول{[10456]} .

قال القاضي أبو محمد : فالمجهول الحال يخشى أن يكون فاسقاً والاحتباط لازم . قال النقاش «تبينوا » أبلغ ، لأنه قد يتثبت من لا يتبين .


[10452]:المصدق: العامل الذي يجبي الصدقات.
[10453]:أخرجه أحمد، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن منده، وابن مردويه، بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي، وأخرج مثله الطبراني، وابن منده، وابن مردويه، عن علقمة بن ناجية، وأخرجه الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله، مع اختلاف في الألفاظ.
[10454]:أخرجه ابن راهويه، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه، عن أم سلمة رضي الله عنها، وأخرجه ابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي في سننه، وابن عساكر، عن ابن عباس رضي الله عنهما.(الدر المنثور).
[10455]:أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة، وهو جزء في آخر الحديث الذي رواه قتادة عن إرسال النبي صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق، واللفظ المذكور في الدر المنثور:(التأني من الله والعجلة من الشيطان)، وذكره السيوطي في الجامع الصغير من رواية البيهقي في شعب الإيمان عن أنس رضي الله عنه، ثم رمز له بأنه ضعيف.
[10456]:إذ لا معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم، فإن الحكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة وهو ما نصت عليه الآية الكريمة{أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}. ثم إن الله تبارك وتعالى لم يأمر بالتبين إلا عند مجيء الفاسق لا مجيء المسلم.