غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

1

ثم أرشدهم إلى أدب آخر فقال { يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ } وقد أجمع المفسرون على أنها نزلت في الوليد بن عقبة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقاً وكان بينهما إحنة ، فلما سمعوا به ركبوا إليه فلما سمع بهم خافهم فرجع فقال : إن القوم هموا بقتلي ومنعوا صدقاتهم . فهم النبي صلى الله عليه وسلم بغزوهم ، فبيناهم في ذلك إذ قدم وفدهم وقالوا : يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من الصدقة فاتهمهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : لتنتهن أو لأبعثن إليكم رجلاً هو عندي كنفسي يقاتل مقاتلتكم ويسبي ذراريكم ، ثم ضرب بيده على كتف علي رضي الله عنه فقالوا : نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله . وقيل : بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين فسلموا إليه الصدقات فرجع . قال جار الله : في تنكير الفاسق والنبأ عمومم كأنه قيل : أيّ فاسق جاءكم بأيّ نبأ فتوقفوا فيه واطلبوا البيان لأن من لا يتجافى جنس الفسوق ولا يتجافى بعض أنواعه الذي هو الكذب . والفسوق الخروج عن الشيء والانسلاخ منه فسقت الرطبة عن قشرها ، ومن مقلوبه " فقست البيضة " إذا كسرتها وأخرجت ما فيها . ومن تقاليبه أيضاً " قفست الشيء " بتقديم القاف إذا أخرجته من يد مالكه غصباً . والنبأ الخبر الذي يعظم وقعه . واختبر لفظة " إن " التي هي للشك دون " إذا " تنبيهاً على أنه صلى الله عليه وسلم ومن معه بمنزلة لا يجسر أحد أن يخبرهم بكذب إلا على سبيل الفرض والندرة ، فعلى المؤمنين أن يكونوا بحيث لا يطمع فاسق في مخاطبتهم بكلمة زور . ثم علل التبين بقوله { أن تصيبوا } أي كراهة إصابتكم { قوماً } حال كونكم جاهلين بحقيقة الأمر . والندم ضرب من الغم وهو أن تغتم على ما وقع منك متمنياً أنه لم يقع ولا يخلو من دوام وإلزام . ومن مقلوباته " أدمن الأمر " إذا دام عليه . ومدن بالمكان أقام به . قال الأصوليون من الأشاعرة : إن خبر الواحد العدل يجب العمل به لأن الله تعالى أمر بالتبيين في خبر الفاسق ، ولو تبينا في خبر العدل لسوّينا بينهما . وضعف بأنه من باب التمسك بالمفهوم . واتفقوا على أن شهادة الفاسق لا تقبل لأن باب الشهادة أضيق من باب التمسك بمفهوم الخبر . وأكثر المفسرين على أن الوليد كان ثقة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فاسقاً بكذبه . وقيل : إن الوليد لم يقصد الكذب ولكنه ظن حين اجتمعوا لإكرامه أن يكونوا هموا بقتله . ولقائل أن يقول : لفظ القرآن وسبب النزول يدل على خلافه . نعم لو قيل : إنه تاب بعد ذلك لكان له وجه .

/خ18