التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

{ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ زكاتهم فروى أنه كان معاديا لهم فأراد إذايتهم فرجع من بعض طريقه فكذب عليهم وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : " إنهم قد منعوني الصدقة وطردوني وارتدوا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بغزوهم ونظر في ذلك فورد وفدهم منكرين لذلك " . وروي : أن الوليد بن عقبة لما قرب منهم خرجوا إليه متلفين له فرآهم على بعد ففزع منهم وظن بهم الشر فانصرف فقال ما قال . وروي : أنه بلغه أنهم قالوا : لا نعطيه صدقة ولا نطيعه فانصرف وقال ما قال ، فالفاسق المشار إليه في الآية هو الوليد بن عقبة لم يزل بعد ذلك يفعل أفعال الفساق حتى صلى بالناس صلاة الصبح أربع ركعات وهو سكران ثم قال لهم : أزيدكم إن شئتم ، ثم هي باقية في كل من اتصف بهذه الصفة إلى آخر الدهر ، وقرئ فتبينوا من التبين وتثبتوا بالثاء من التثبت ويقوي هذه القراءة أنها لما نزلت روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " التثبت من الله والعجلة من الشيطان " ، واستدل بهذه الآية القائلون بقبول خبر الواحد ، لأن دليل الخطاب يقتضي أن خبر الفاسق مقبول ، قال المنذر البلوطي : وهذه الآية ترد على من قال إن المسلمين كلهم عدول ، لأن الله أمر بالتبين قبل القبول ، فالمجهول الحال يخشى أن يكون فاسقا .

{ أن تصيبوا قوما بجهالة } في موضع المفعول من أجله تقديره : مخافة أن تصيبوا قوما بجهالة ، والإشارة إلى قتال بني المصطلق لما ذكر عنهم الوليد ما ذكر .