مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

{ ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ } أجمعوا أنها نزلت في الوليد بن عقبة وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً إلى بني المصطلق وكانت بينه وبينهم إحنة في الجاهلية ، فلما شارف ديارهم ركبوا مستقبلين إليه فحسبهم مقاتليه فرجع وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : قد ارتدوا ومنعوا الزكاة .

فبعث خالد بن الوليد فوجدهم يصلون فسلموا إليه الصدقات فرجع . وفي تنكير الفاسق والنبأ شياع في الفساق والأنباء كأنه قال أي فاسق جاءكم بأي نبأ { فَتَبَيَّنُوآ } فتوقفوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا قول الفاسق ، لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه . وفي الآية دلالة قبول خبر الواحد العدل لأنا لو توقفنا في خبره لسوينا بينه وبين الفاسق ولخلا التخصيص به عن الفائدة ، والفسوق الخروج من الشيء . يقال : فسقت الرطبة عن قشرها ، ومن مقلوبه : فقست البيضة إذا كسرتها وأخرجت ما فيها ، ومن مقلوبه أيضاً : قفست الشيء إذا أخرجته من يد مالكه مغتصباً له عليه ، ثم استعمل في الخروج عن القصد بركوب الكبائر . حمزة وعلي { فتثبتوا } والتثبت والتبين متقاربان وهما طلب الثبات والبيان والتعرف { أَن تصيبوا قَوْماً } لئلا تصيبوا { بِجَهَالَةٍ } حال يعني جاهلين بحقيقة الأمر وكنه القصة { فَتُصْبِحُواْ } فتصيروا { على مَا فَعَلْتُمْ نادمين } الندم ضرب من الغم وهو أن تغتم على ما وقع منك تتمنى أنه لم يقع وهو غم يصحب الإنسان صحبة لها دوام .