السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

واختلف في سبب نزول قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم } أي : في وقت من الأوقات { فاسق } أي : خارج من ربقة الديانة { بنبأ } أي : خبر يعظم خطبه فيثير شرّاً { فتبينوا } صدقه من كذبه . فقال أكثر المفسرين : نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهو أخو عثمان لأمه . «وذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني المصطلق بعد الوقعة والياً ومصدقاً أي يأخذ منهم الصدقة وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيماً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إنهم منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلى . فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّ أن يغزوهم فبلغ القوم رجوعه ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله فبدا له في الرجوع ، فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعث خالد ابن الوليد خفية في عسكره وأمره أن يخفي عليهم قدومه وقال : انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم ، وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما تستعمل في الكفار . ففعل ذلك خالد ووافاهم فسمع منهم آذان صلاتي المغرب والعشاء فأخذ منهم صدقاتهم ولم ير منهم إلا الطاعة والخير وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر » فنزل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } { أن تصيبوا } أي : بأذى { قوماً } أي : هم مع قوّتهم النافعة لأهل الإسلام برآء مما نسب إليهم { بجهالة } أي : مع الجهل بحال استحقاقهم لذلك { فتصبحوا } أي : فتصيروا ولكنه عبر بذلك لأن أشنع الندم ما استقبل الإنسان صباحاً وقت انتباهه وفراغه وإقباله على لذاته { على ما فعلتم } أي : من إصابتهم { نادمين } أي : غريقين في الأسف على ما فات مما يوقع الله تعالى في نفوسكم من أمور ترجف القلوب . وقال الرازي : هذا ضعيف لأنّ الله تعالى لم يقل إني أنزلتها لكذا والنبيّ صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه قال وردت الآية لبيان ذلك حسب غاية ما في الباب أنها نزلت في ذلك الوقت وهو مثل تاريخ نزول الآية مما يصدق ذلك ويؤيده أنّ إطلاق لفظ الفاسق على الوليد بعيد لأنه توهم وظن فأخطأ والمخطئ لا يسمى فاسقاً فكيف والفاسق في أكثر المواضع المراد به من خرج عن رتبة الإيمان كقوله تعالى : { إنّ الله لا يهدي القوم الفاسقين } [ المنافقون : 6 ] وقوله تعالى : { ففسق عن أمر ربه } [ الكهف : 50 ] وقوله تعالى : { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار } [ السجدة ، 20 ] الآية إلى غير ذلك ا . ه وقال ابن الخازن في تفسيره : وقيل هو عام نزلت لبيان التثبيت وترك الاعتماد على قول الفاسق وهذا أولى من حكم الآية على رجل بعينه .

تنبيه : قوله تعالى : { أن تصيبوا } مفعول له كقوله تعالى : { أن تحبط } [ الحجرات : 2 ] قال الرازي : معناه على مذهب الكوفيين لئلا تصيبوا وعلى مذهب البصريين كراهة أن تصيبوا وقرأ حمزة والكسائي : بعد التاء المثناة بثاء مثلثة وبعد الباء الموحدة بتاء مثناة فوق من التثبت أي : فتوقفوا إلى أن يتبين لكم الحال . والباقون بعد التاء المثناة بباء موحدة وبعدها ياء تحتية وبعدها نون من البيان .