التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

قوله تعالى : { ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين 6 واعلموا أن فيكم رسول الله ولو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون 7 فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم } .

يأمر الله عباده المؤمنين أن يتثبتوا فيما يردهم من أخبار يقولها فاسقون أو مريبون أولو ثرثرة ولغط وتهويش فما ينبغي للمؤمنين في كل زمان أن يصدقوا أمثال هؤلاء فيبنوا أحكامهم على ما يسمعونه منهم فيضلّوا ويزلّوا ويصبحوا من النادمين . والفاسق هو الكاذب ، أو الذي لا يستحيي من الله .

وقد نزلت الآية في الوليد بن أبي معيط إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق ليجمع منهم الزكاة ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية . فلما سمع القوم تلقّوه تعظيما لله تعالى ولرسوله ، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم ، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّ أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ، سمعنا برسوله فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى . فبدا له في الرجوع فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فأنزل الله تعالى { ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } وقيل : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق يتصدقهم فتلقوه بالصدقة فرجع فقال : إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك ، وأنهم قد ارتدوا عن الإسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ( رضي الله عنه ) إليهم وأمره أن يتثبت ولا يعجل فانطلق حتى أتاهم ليلا فبعث عيونه فلما جاءوا أخبروا خالدا ( رضي الله عنه ) أنهم مستمسكون بالإسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم . فلما أصبحوا أتاهم خالد ( رضي الله عنه ) فرأى الذي يعجبه فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأنزل الله الآية . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يقول : " التثبت من الله والعجلة من الشيطان " {[4286]} .

قوله : { فتبيوا أن تصيبوا قوما بجاهلة } أي تثبتوا واحتاطوا ، أو أمهلوا حتى تعرفوا صحة النبأ ولا تعجلوا { أن تصيبوا قوما بجهالة } أي كراهية ، أو لئلا تصيبوا قوما برآء مما قذفوا به بخطأ منكم { فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } أي فتندموا على ما أصبتم به غيركم من الجناية .


[4286]:أسباب النزول للنيسابوري ص 261 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 209، 210.