{ إنا أعطيناك الكوثر } أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا على بن مسهر عن المختار -يعني ابن فلفل- عن أنس قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءةً ثم رفع رأسه مبتسماً ، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : " أنزلت علي آنفاً سورة " ، فقرأ : { بسم الله الرحمن الرحيم } { إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر } ثم قال : " أتدرون ما الكوثر " ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : " فإنه نهر وعدنيه ربي فيه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه مني ، فيقول : ما تدري ما أحدث بعدك " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عمرو بن محمد ، حدثنا هاشم ، حدثنا أبو بشر وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : { الكوثر } الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : إن أناساً يزعمون أنه نهر في الجنة ؟ فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه . قال الحسن : هو القرآن العظيم . قال عكرمة : النبوة والكتاب . وقال أهل اللغة : الكوثر : فوعل من الكثرة ، كنوفل : فوعل من النفل ، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو كثير في القدر والخطر : كوثراً . والمعروف : أنه نهر في الجنة ، أعطاه الله رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن على بن عبد الله الطيسفوني ، أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري ، حدثنا أحمد بن علي الكشمهيني ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، حدثنا حميد عن أنس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دخلت الجنة فإذا أنا بنهر يجري ، بياضه بياض اللبن ، وأحلى من العسل ، وحافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي فإذا الثرى مسك أذفر ، فقلت لجبريل : ما هذا ؟ قال : الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل " .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الداودي ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الصلت ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنبأنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه الذهب ، مجراه على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وأشد بياضاً من الثلج " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حوضي مسيرة شهر ، ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من يشرب منها لم يظمأ أبدا " .
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنبأنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز ، أنبأنا محمد بن زكريا العذافري ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان ابن أبي طلحة ، عن ثوبان قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا عند عقر حوضي أذود الناس عنه لأهل اليمن ، أي : أضربهم بعصاي حتى يرفضوا عنه ، وإنه ليغت فيه ميزابان من الجنة ، أحدهما من ورق ، والآخر من ذهب ، طوله ما بين بصرى وصنعاء ، أو ما بين أيلة ومكة ، أو من مقامي هذا إلى عمان " .
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، عن المختار بن فُلْفُل ، عن أنس بن مالك قال : أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة ، فرفع رأسه مبتسما ، إما قال لهم ، وإما قالوا له : لم ضحكت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه أنزلت عليَّ آنفا سورة " . فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } حتى ختمها ، قال : " هل تدرون ما الكوثر ؟ " ، قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " هو نهر أعطانيه ربي ، عز وجل ، في الجنة ، عليه خير كثير ، تردُ عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب ، يُخْتَلَج العبد منهم فأقول : يا رب ، إنه من أمتي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " {[30590]} .
هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي ، وهذا السياق .
وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يَشْخَب فيه ميزابان من السماء عن نهر الكوثر ، وأن عليه آنية عددَ نجوم السماء . وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي ، من طريق محمد بن فضيل ، وعلي بن مُسْهِر ، كلاهما عن المختار بن فُلْفُل ، عن أنس . ولفظ مسلم قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد ، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما ، قلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : " أنزلت علي آنفا سورة " ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } ثم قال : " أتدرون ما الكوثر ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنه نهر وَعَدنيه ربي ، عز وجل ، عليه خير كثير ، هو حوض تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم{[30591]} فَيختلجُ العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي . فيقول : إنك لا تدري ما أحدث بعدك " . {[30592]}
وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية ، وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة ، وأنها منزلة معها .
فأما قوله تعالى : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة . وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى ، عن أنس فقال : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا ثابت ، عن أنس أنه قرأ هذه الآية{[30593]} { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيتُ الكوثر ، فإذا هو نهر يجري ، ولم يُشق شقًا ، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ ، فضربت بيدي في تربته ، فإذا مسكه ذَفَرة ، وإذا حصاه اللؤلؤ " {[30594]}
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دخلت الجنة فإذا أنا بنهر ، حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر . قلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله ، عز وجل " . {[30595]}
ورواه البخاري في صحيحه ، ومسلم ، من حديث شيبان بن عبد الرحمن ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : لما عُرجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال : " أتيتُ على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف{[30596]} فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر " . وهذا لفظ البخاري{[30597]} رحمه الله .
وقال ابن جرير : حدثنا الربيع ، أخبرنا ابن وهب ، عن سليمان بن هلال ، عن شريك بن أبي نمر ، قال : سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، مضى به جبريل في{[30598]} السماء الدنيا ، فإذا هو بنهر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فذهب يُشمَ تُرَابه ، فإذا هو مسك . قال : " يا جبريل ، ما هذا النهر ؟ قال : هو الكوثر الذي خَبَأ لك ربك " {[30599]} .
وقد تقدم [ في ]{[30600]} حديث الإسراء في سورة " سبحان " ، من طريق شريك عن أنس [ عن النبي صلى الله عليه وسلم ]{[30601]} وهو مخرج في الصحيحين . {[30602]}
وقال سعيد ، عن قتادة ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر ، حافتاه قباب اللؤلؤ مُجَوف ، فقال الملك الذي معه : أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثر الذي أعطاك الله . وضرب بيده إلى أرضه ، فأخرج من طينه المسك " {[30603]} وكذا رواه سليمان بن طِرْخان ، ومعمر وهَمَام وغيرهم ، عن قتادة ، به .
وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج{[30604]} حدثنا أبو أيوب العباسي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثني محمد بن عبد الله ، ابن أخي ابن شهاب ، عن أبيه ، عن أنس قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ، فقال : " هو نهر أعطانيه الله في الجنة ، ترابه مسك ، [ ماؤه ]{[30605]} أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجُزُر " . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال : " أكلها أنعم منها " . {[30606]}
وقال أحمد : حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عبد الوهاب ، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن أنس ، أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما الكوثر ؟ قال : " نهر في الجنة أعطانيه ربي ، لهو أشد بياضًا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر " . قال عمر : يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال : " أكلها أنعم منها يا عمر " . {[30607]}
رواه{[30608]} ابن جرير ، من حديث الزهري ، عن أخيه عبد الله ، عن أنس : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ، فذكر مثله سواء . {[30609]}
وقال البخاري : حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عائشة قال : سألتها عن قوله تعالى : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } قالت : نهر [ عظيم ]{[30610]} أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم ، شاطئاه عليه در مجوف ، آنيته كعدد النجوم . {[30611]}
ثم قال البخاري : رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف ، عن أبي إسحاق .
ورواه أحمد والنسائي ، من طريق مُطرّف ، به . {[30612]}
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيب ، حدثنا وَكِيع ، عن سفيان ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عائشة قالت : الكوثر نهر في الجنة ، شاطئاه در مُجَوف . وقال إسرائيل : نهر في الجنة عليه من الآنية عدد نجوم السماء .
وحدثنا ابن حُمَيد ، حدثنا يعقوب القُمي{[30613]} عن حفص بن حميد ، عن شَمِر بن عطية ، عن شقيق{[30614]} أو مسروق قال : قلت لعائشة : يا أم المؤمنين ، حدثيني عن الكوثر . قالت : نهر في بطنان الجنة . قلت : وما بطنان الجنة ؟ قالت : وسطها ، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت ، ترابه المسك ، وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت .
وحدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن أبي جعفر الرازي ، عن ابن أبي نجيح ، عن عائشة قالت : من أحب أن يسمع خرير الكوثر ، فَلْيَجعل أصبعيه في أذنيه . {[30615]}
وهذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة ، وفي بعض الروايات : " عن رجل ، عنها " . ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك ، لا أنه يسمعه نفسه ، والله أعلم .
قال السهيلي : ورواه الدارقطني مرفوعا ، من طريق مالك بن مِغْوَل{[30616]} عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم{[30617]} .
ثم قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هُشَيم ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : فإن ناسًا يَزْعُمون أنه نهر في الجنة ؟ فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه . {[30618]}
ورواه أيضا من حديث هشيم ، عن أبي بشر وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : الخير الكثير . {[30619]}
[ وقال الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : الخير الكثير ] . {[30620]}
وهذا التفسير يعم النهر وغيره ؛ لأن الكوثر من الكثرة ، وهو الخير الكثير ، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومحارب بن دِثَار ، والحسن بن أبي الحسن البصري . حتى قال مجاهد : هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة .
وقال عكرمة : هو النبوة والقرآن ، وثواب الآخرة .
وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا ، فقال ابن جرير :
حدثنا أبو كُرَيب ، حدثنا عمر بن عبيد ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج ، وأحلى من العسل .
وروى العوفي ، عن ابن عباس ، نحو ذلك .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا هشيم ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن محارب بن دِثار ، عن ابن عمر أنه قال : الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الدر والياقوت ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل .
وكذا رواه الترمذي عن ابن حميد ، عن جرير ، عن عطاء بن السائب ، به مثله{[30621]} موقوفا . وقد روي مرفوعا فقال الإمام أحمد :
حدثنا علي بن حفص ، حدثنا ورقاء قال . . . وقال عطاء [ بن السائب ]{[30622]} عن محارب بن دِثار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، والماء يجري على اللؤلؤ ، وماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل " .
وهكذا رواه الترمذي ، وابن ماجة ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، من طريق محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، به مرفوعا{[30623]} وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن عُليَّة ، أخبرنا عطاء بن السائب قال : قال لي محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت : حَدثَنا عن ابن عباس أنه قال : هو الخير الكثير . فقال : صدق ، والله إنه للخير الكثير . ولكن حدثنا ابن عمر قال : لما نزلت : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، يجري على الدر والياقوت " . {[30624]}
وقال ابن جرير : حدثني ابن البرقي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، أخبرني حَرَام بن عثمان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أسامة بن زيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما فلم يجده ، فسأل امرأته عنه - وكانت من بني النجار - فقالت : خرج يا نبي الله آنفا عامدًا نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار ، أولا تدخلُ يا رسول الله ؟ فدخل ، فقدمت إليه حيسا ، فأكل منه ، فقالت : يا رسول الله ، هنيئا لك ومريئا ، لقد جئتَ وأنا أريد أن آتيك فأهْنيك وأمْريك ؛ أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر . فقال : " أجل ، وعرضه - يعني أرضه - ياقوت ومرجان ، وزبرجد ولؤلؤ " {[30625]} .
حَرَام بن عثمان ضعيف ؛ ولكن هذا سياق حسن ، وقد صح أصل هذا ؛ بل قد تواتر من طريق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث ، وكذلك أحاديث الحوض [ ولنذكرها هاهنا ] . {[30626]}
وهكذا رُوي عن أنس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وغير واحدٍ من السلف : أن الكوثر : نهر في الجنة . وقال عطاء : هو حوض في الجنة .
وهي مكية{[1]} .
قرأ الحسن : «إنا أنطيناك » ، وهي لغة في أعطى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «واليد المنطية خير من السفلى{[12004]} » ، وقال الأعشى : [ المتقارب ]
جيادك خير جياد الملوك . . . تصان الجلال وتنطى الشعيرا{[12005]}
قال أنس وابن عمر وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين : { الكوثر } : نهر في الجنة ، حافتاه قباب من در مجوف ، وطينه مسك ، وحصباؤه ياقوت ، ونحو هذا من صفاته ، وإن اختلفت ألفاظ الرواة ، وقال ابن عباس أيضاً : { الكوثر } : الخير الكثير .
قال القاضي أبو محمد : كوثر : بناء مبالغة من الكثرة ، ولا مجال أن الذي أعطى الله محمداً عليه السلام من النبوة ، والحكمة ، والعلم بربه ، والفوز برضوانه ، والشرف على عباده ، هو أكثر الأشياء وأعظمها ، كأنه يقول في هذه الآية : { إنا أعطيناك } الحظ الأعظم . قال سعيد بن جبير : النهر الذي في الجنة هو من الخير الذي أعطاه الله إياه ، فنعم ما ذهب إليه ابن عباس ، ونعم ما تمم ابن جبير رضي الله عنهم . وأمر النهر ثابت في الآثار في حديث الإسراء وغيره ، صلى الله عليه وسلم على محمد ، ونفعنا بما منحنا من الهداية . قال الحسن : { الكوثر } ، القرآن . وقال أبو بكر بن عياش : هو كثرة الأصحاب والأتباع . وقال جعفر الصادق : نور في قلبه ، ودله عليه ، وقطعه عما سواه . وقال أيضاً : هو الشفاعة . وقال هلال بن يساف{[12006]} : هو التوحيد .