64- وقالت اليهود : يد الله مقبوضة لا تنبسط بالعطاء . قبض الله أيديهم وأبعدهم من رحمته ، فالله غني كريم ينفق كما يشاء . وإن كثيراً من هؤلاء - لإمعانهم في الضلال - ليزيدهم ما أنزل إليك من الله ظلماً وكفراً لما فيهم من حقد وحسد ، وأثرنا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ، وكلما أشعلوا ناراً لحرب الرسول والمؤمنين أطفأها الله بهزيمتهم وانتصار نبيه وأتباعه ، وأنهم يجتهدون في نشر الفساد في الأرض بالكيد والفتن وإثارة الحروب ، والله لا يحب المفسدين .
قوله تعالى : { وقالت اليهود يد الله مغلولة } ، قال ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة : إن الله تعالى كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالاً ، وأخصبهم ناحية ، فلما عصوا لله في محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به ، كف الله عنهم ما بسط عليهم من السعة ، فعند ذلك ، قال فنحاص بن عازوراء : ( يد الله مغلولة ) ، أي : محبوسة ، مقبوضة من الرزق ، نسبوه إلى البخل ، تعالى الله عن ذلك . قيل : إنما قال هذه المقالة فنحاص ، فلما لم ينهه الآخرون ورضوا بقوله أشركهم الله فيها . وقال الحسن : معناه يد الله مكفوفة عن عذابنا ، فليس يعذبنا إلا بما يبر به قسمه قدر ما عبد آباؤنا العجل ، والأول أولى . لقوله : { ينفق كيف يشاء } .
قوله تعالى : { غلت أيديهم } ، أي : أمسكت أيديهم عن الخيرات .
وقال الزجاج : أجابهم الله تعالى فقال : أنا الجواد وهم البخلاء ، وأيديهم هي المغلولة الممسكة . وقيل : هو من الغل في النار يوم القيامة ، لقوله تعالى : { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل } [ غافر : 71 ] .
قوله تعالى : { ولعنوا } ، عذبوا .
قوله تعالى : { بما قالوا } ، فمن لعنهم أنهم مسخوا قردة وخنازير ، وضربت عليهم الذلة والمسكنة في الدنيا ، وفي الآخرة بالنار .
قوله تعالى : { بل يداه مبسوطتان } ، ويد الله صفة من صفات ذاته ، كالسمع ، والبصر ، والوجه . وقال جل ذكره : { لما خلقت بيدي } [ ص :75 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { كلتا يديه يمين } ، والله أعلم بصفاته ، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم ، وقال أئمة السلف من أهل السنة في هذه الصفات : أمروها كما جاء بلا كيف .
قوله تعالى : { ينفق } ، يرزق .
قوله تعالى : { كيف يشاء وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً } ، أي : كلما أنزلت آية كفروا بها وازدادوا طغياناً وكفرا .
قوله تعالى : { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء } ، يعني : بين اليهود والنصارى ، قاله الحسن ومجاهد : قيل : وبين طوائف اليهود جعلهم مختلفين في دينهم ، متباغضين .
قوله تعالى : { إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله } يعني : اليهود ، أفسدوا وخالفوا حكم التوراة ، فبعث الله عليهم بختنصر ، ثم أفسدوا ، فبعث الله عليهم طيطوس الرومي ، ثم أفسدوا ، فسلط الله عليهم المجوس ، ثم أفسدوا ، فبعث الله عليهم المسلمين . وقيل : كلما أجمعوا أمرهم ليفسدوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأوقدوا نار المحاربة أطفأها الله ، فردهم ، وقهرهم ، ونصر نبيه ودينه . هذا معنى قول الحسن : وقال قتادة : هذا عام في كل حرب طلبته اليهود ، فلا تلقى اليهود في بلد إلا وجدتهم من أذل الناس .
قوله تعالى : { ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين } .
يخبر تعالى عن اليهود - عليهم لعائن الله المتتابعة{[10038]} إلى يوم القيامة - بأنهم وصفوا الله ، عز وجل وتعالى عن قولهم علوًا كبيرًا ، بأنه بخيل . كما وصفوه بأنه فقير وهم أغنياء ، وعبروا عن البخل بقولهم : { يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ }
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله الطهراني ، حدثنا حفص بن عمر العَدَنِيّ ، حدثنا الحكم بن أبان ، عن عِكْرِمَة قال : قال ابن عباس : { مَغْلُولَةٌ } أي : بخيلة .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ } قال : لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة{[10039]} ولكن يقولون : بخيل أمسك ما عنده ، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا .
وكذا روي عن عِكْرِمَة ، وقتادة ، والسُّدِّي ، ومجاهد ، والضحاك وقرأ : { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا } [ الإسراء : 29 ] . يعني : أنه ينهى{[10040]} عن البخل وعن التبذير ، وهو الزيادة في الإنفاق في غير محله ، وعبَّر عن البخل بقوله : { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } .
وهذا هو الذي أراد هؤلاء اليهود عليهم لعائن الله . وقد قال عكرمة : إنها نزلت في فنْحاص اليهودي ، عليه لعنة الله . وقد تقدم أنه الذي قال : { إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } [ آل عمران : 181 ] فضربه أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رجل من اليهود ، يقال له : شاس{[10041]} بن قيس : إن ربك بخيل لا ينفق ، فأنزل الله : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }
وقد رد الله ، عز وجل ، عليهم ما قالوه ، وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه وائتفكوه ، فقال : { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا } وهكذا{[10042]} وقع لهم ، فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة{[10043]} أمر عظيم ، كما قال تعالى : { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا{[10044]} ] } [ النساء : 53 - 55 ] وقال تعالى : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ [ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاس{[10045]} ] } الآية [ آل عمران : 112 ] .
ثم قال تعالى : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } أي : بل هو الواسع الفضل ، الجزيل العطاء ، الذي ما من شيء إلا عنده خزائنه ، وهو الذي ما بخلقه من نعمة فمنه وحده لا شريك له ، الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه ، في ليلنا ونهارنا ، وحضرنا وسفرنا ، وفي جميع أحوالنا ، كما قال [ تعالى ]{[10046]} { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } الآية [ إبراهيم : 34 ] . والآيات في هذا كثيرة ، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل :
حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن همام بن مُنَبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يمين الله مَلأى لا يَغِيضُها نفقة ، سَحَّاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض ، فإنه لم يَغِض ما في يمينه " قال : " وعرشه على الماء ، وفي يده الأخرى القبْض ، يرفع ويخفض " : قال : قال الله تعالى : " أنفق أنفق عليك " أخرجاه في الصحيحين ، البخاري في " التوحيد " عن علي بن المديني ، ومسلم فيه ، عن محمد بن رافع ، وكلاهما{[10047]} عن عبد الرزاق ، به . {[10048]}
وقوله : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا } أي : يكون ما أتاك الله يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم ، فكما يزداد به المؤمنون تصديقًا وعملا صالحًا وعلمًا نافعًا ، يزداد به الكفرة الحاسدون لك ولأمتك { طُغْيَانًا } وهو : المبالغة والمجاوزة للحد في الأشياء { وَكُفْرًا } أي : تكذيبا ، كما قال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] وقال تعالى : { وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا } [ الإسراء : 82 ] .
وقوله : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } يعني : أنه لا تجتمع قلوبهم ، بل العداوة واقعة بين فِرقهم بعضهم في بعض دائمًا لأنهم لا يجتمعون على حق ، وقد خالفوك وكذبوك .
وقال إبراهيم النَّخَعي : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ } قال : الخصومات والجدال في الدين . رواه ابن أبي حاتم .
وقوله : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ } أي : كلما عقدوا أسبابًا يكيدونك بها ، وكلما أبرموا أمورًا يحاربونك بها يبطلها الله ويرد كيدهم عليهم ، ويحيق مكرهم السيئ بهم .
{ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } أي : من سجيتهم أنهم دائمًا يسعوْن في الإفساد في الأرض ، والله لا يحب من هذه صفته .
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنّ كَثِيراً مّنْهُم مّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ } . .
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن جراءة اليهود على ربهم ووصفهم إياه بما ليس من صفته ، توبيخا لهم بذلك وتعريفا منه نبيه صلى الله عليه وسلم قديمَ جهلهم واغترارهم به وإنكارهم جميع جميل أياديه له نبيّ مبعوث ورسول مرسل أن كانت هذه الأنباء التي أنبأهم بها كانت من خفيّ علومهم ومكنونها التي لا يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم دون غيرهم من اليهود فضلاً عن الأمة الأمية من العرب الذين لم يقرءوا كتابا ولا وَعَوْا من علوم أهل الكتاب علما فأطلع الله على ذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وسلم ليقرّر عندهم صدقه ويقطع بذلك حجتهم . يقول تعالى ذكره : وَقالَتِ اليَهُودُ من بين إسرائيل يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ يعنون : أن خير الله ممسك ، وعطاءه محبوس عن الاتساع عليهم ، كما قال تعالى ذكره في تأديب نبيه صلى الله عليه وسلم : وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلّ البَسْطِ . وإنما وصف تعالى ذكره اليد بذلك ، والمعنى : العطاء ، لأن عطاء الناس وبذل معروفهم الغالب بأيديهم ، فجرى استعمال الناس في وصف بعضهم بعضا إذا وصفوه بجود وكرم أو ببخل وشحّ وضيق ، بإضافة ما كان من ذلك من صفة الموصوف إلى يديه ، كما قال الأعشى في مدح رجل :
يَدَاكَ يَدَا مَجْدٍ فَكَفّ مُفِيدَةٌ ***وكَفّ إذا ماضُنّ بالزّادِ تُنْفِقُ
فأضاف ما كان صفة صاحب اليد من إنفاق وإفادة إلى اليد ومثل ذلك من كلام العرب في أشعارها وأمثالها أكثر من أن يحصى . فخاطبهم الله بما يتعارفونه ، ويتحاورونه بينهم في كلامهم ، فقال : وَقَالتِ اليَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ يعني بذلك أنهم قالوا : إن الله يبخل علينا ويمنعنا فضله فلا يفضل ، كالمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطها بعطاء ولا بذل معروف . تعالى الله عما قال أعداء الله فقال الله مكذّبهم ومخبرهم بسخطه عليهم : غُلّتْ أيْدِيهِمْ يقول : أُمْسكت أيديهم عن الخيرات ، وقُبِضت عن الانبساط بالعطيات ، ولُعِنوا بما قالوا ، وأُبْعِدوا من رحمة الله وفضله بالذي قالوا من الكفر وافتروا على الله ووصفوه به من الكذب ، والإفك . بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يقول : بل يداه مبسوطتان بالبذل والإعطاء وأرزاق عباده وأقوات خلقه ، غير مغلولتين ولا مقبوضتين . يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ يقول : يعطى هذا ويمنع هذا فيقتر عليه .
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَقَالتِ اليَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قالُوا . قال : ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة ، ولكنهم يقولون : إنه بخيل أمسك ما عنده . تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرا
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ قال : لقد يجهدنا الله يا بني إسرائيل حتى جعل الله يده إلى نحره . وكذبوا
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ قال : اليهود تقول : لقد يجهدنا الله يا بني إسرائيل ويا أهل الكتاب حتى إن يده إلى نحره . بل يداه مبسوطتان ، ينفق كيف يشاء .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَقَالتِ اليَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قالُوا . . . إلى : واللّهُ لا يُحِبّ المُفْسِدِينَ . أما قوله يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ قالوا : الله بخيل غير جواد ، قال الله : بلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَقَالتِ اليَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ قالوا : إن الله وضع يده على صدره فلا يبسطها حتى يردّ علينا ملكنا .
وأما قوله : يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ يقول : يرزق كيف يشاء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عكرمة : وَقَالتِ اليَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ . . . الاَية ، نزلت في فنحاص اليهوديّ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم ، قوله : يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ يقولون : إنه بخيل ليس بجواد قال الله : غُلّت أيْدِيهِمْ : أمسكت أيديهم عن النفقة والخير . ثم قال يعني نفسه : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتان يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وقال : لا تجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةٌ يقول : لا تمسك يدك عن النفقة .
واختلف أهل الجدل في تأويل قوله : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتانِ فقال بعضهم : عُني بذلك نعمتاه ، وقال : ذلك بمعنى : يد الله على خلقه ، وذلك نعمه عليهم وقال : إن العرب تقول : لك عندي يد ، يعنون بذلك : نعمة .
وقال آخرون منهم : عنى بذلك القوّة ، وقالوا : ذلك نظير قول الله تعالى ذكره : وَاذْكُرْ عِبادَنا إبْرَاهِيمَ وإسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولى الأيْدِي .
وقال آخرون منهم : بل يده ملكه وقال : معنى قوله : وَقَالتِ اليَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ : ملكه وخزائنه . قالوا : وذلك كقول العرب للمملوك : هو ملك يمينه ، وفلان بيده عقدة نكاح فلانة : أي يملك ذلك ، وكقول الله تعالى ذكره : فَقَدّمُوا بينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً .
وقال آخرون منهم : بل يد الله صفة من صفاته هي يد ، غير أنها ليست بجارحة كجوارح بني آدم . قالوا : وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن خصوصية آدم بما خصه به من خلقه إياه بيده . قالوا : ولو كان لخصوصية آدم بذلك وجه مفهوم ، إذ كان جميع خلقه مخلوقين بقدرته ومشيئته في خلقه تعمه وهو لجميعهم مالك . قالوا : وإذا كان تعالى ذكره قد خصّ آدم بذكره خلقه إياه بيده دون غيره من عباده ، كان معلوما إنه إنما خصه بذلك لمعنى به فارق غيره من سائر الخلق . قالوا : وإذا كان ذلك كذلك ، بطل قول من قال : معنى اليد من الله القوّة والنعمة أو الملك في هذا الموضع . قالوا : وأحرى أن ذلك لو كان كما قال الزاعمون إن يد الله في قوله : وَقَالتِ اليَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ هي نعمته ، لقيل : بل يده مبسوطة ، ولم يقل : بل يداه ، لأن نعمة الله لا تحصى بكثرة وبذلك جاء التنزيل ، يقول الله تعالى : وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها قالوا : ولو كانت نعمتين كانتا محصاتين .
قالوا : فإن ظنّ ظانّ أن النعمتين بمعنى النعم الكثيرة ، فذلك منه خطأ وذلك أن العرب قد تخرج الجميع بلفظ الواحد لأداء الواحد عن جميع جنسه ، وذلك كقول الله تعالى ذكره : وَالعَصْرِ إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ، وكقوله : لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ ، وقوله : وكانَ الكافِرُ على رَبّهِ ظَهِيرا . قال : فلم يُرَدْ بالإنسان والكافر في هذه الأماكن إنسان بعينه ، ولا كافر مشار إليه حاضر ، بل عُني به جميع الإنس وجميع الكفار ، ولكن الواحد أدّى عن جنسه كما تقول العرب : ما أكثر الدرهم في أيدي الناس ، وكذلك قوله : وكانَ الكافِرُ معناه : وكان الذين كفروا . قالوا : فأما إذا ثني الاسم ، فلا يؤدّي عن الجنس ، ولا يؤدّي إلا عن اثنين بأعيانهما دون الجميع ودون غيرهما . قالوا : وخطأ في كلام العرب أن يقال : ما أكثر الدرهمين في أيدي الناس بمعنى : ما أكثر الدراهم في أيديهم . قالوا : وذلك أن الدرهم إذا ثني لا يؤدّي في كلامها إلا عن اثنين بأعيانهما . قالوا : وغير محال : ما أكثر الدرهم في أيدي الناس وما أكثر الدراهم في أيديهم لأن الواحد يؤدّي عن الجميع . قالوا : ففي قول الله تعالى : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتانِ مع إعلامه عباده أن نعمه لا تحصى ، ومع ما وصفنا من أنه غير معقول في كلام العرب أن اثنين يؤدّيان عن الجميع ، ما ينبىء عن خطأ قول من قال : معنى اليد في هذا الموضع : النعمة ، وصحة قول من قال : إنّ يَدَ اللّهِ هي له صفة . قالوا : وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال به العلماء وأهل التأويل .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَيزِيدَنّ كَثِيرا مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْيانا وكُفْرا .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن هذا الذي أطلعناك عليه من خفيّ أمور هؤلاء اليهود مما لا يعلمه إلا علماؤهم وأحبارهم ، احتجاحا عليهم لصحة نبوّتك ، وقطعا لعذر قائل منهم أن يقول : ما جاءنا من بشير ولا نذير ، ليزيدنّ كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ، يعني بالطغيان : الغلوّ في إنكار ما قد علموا صحته من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم والتمادي في ذلك . وكُفْرا يقول : ويزيدهم مع غلوهم في إنكار ذلك جحودهم عظمة الله ووصفهم إياه بغير صفته ، بأن ينسبوه إلى البخل ، ويقولوا : يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ . وإنما أعلم تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أنهم أهل عتوّ وتمرّد على ربهم ، وأنهم لا يذعنون لحقّ وإن علموا صحته ، ولكنهم يعاندونه يسلي بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن الموجِدة بهم في ذهابهم عن الله وتكذيبهم إياه . وقد بينت معنى الطغيان فيما مضى بشواهده بما أغنى عن إعادته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَلَيزِيدَنّ كَثِيرا مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْيانا وكُفْرا حملهم حسد محمد صلى الله عليه وسلم والعرب على أن كفروا به ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم .
القول في تأويل قوله تعالى : وألْقَيْنا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ إلى يَومْ القِيامَةِ .
يعني تعالى ذكره بقوله : وألْقَيْنا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ إلى يَومْ القِيامَةِ بين اليهود والنصارى . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وألْقَيْنا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ إلى يَومْ القِيامَةِ اليهود والنصارى .
فإن قال قائل : وكيف قيل : وألْقَيْنا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ جعلت الهاء والميم في قوله بَيْنَهُمْ كناية عن اليهود والنصارى ، ولم يجر لليهود والنصارى ذكر ؟ قيل : قد جرى لهم ذكر ، وذلك قوله : لا تَتّخِذُوا اليَهُودَ والنّصَارَى أوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ جرى الخبر في بعض الاَي عن الفريقين وفي بعض عن أحدهما ، إلى أن انتهى إلى قوله : وألْقَيْنا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ ، ثم قصد بقوله : ألْقَيْنا بَيْنَهُمُ الخبر عن القريقين .
القول في تأويل قوله تعالى : كُلّما أوْقَدُوا نارا للحَرْبِ أطْفَأها اللّهُ .
يقول تعالى ذكره : كلما جمع أمرهم على شيء فاستقام واستوى فأرادوا مناهضة من ناوأهم ، شتته الله عليهم وأفسده ، لسوء فعالهم وخبث نياتهم . كالذي :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّا كَبِيرا فإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادا لَنا أُولى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ وَكانَ وَعْدا مَفْعُولاً ثُمّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرّةَ عَلَيْهِمْ . قال : كان الفساد الأوّل ، فبعث الله عليهم عدوّا ، فاستباحوا الديار واستنكحوا النساء واستعبدوا الولدان وخرّبوا المسجد . فَغَبروا زمانا ، ثم بعث الله فيهم نبيّا ، وعاد أمرهم إلى أحسن ما كان . ثم كان الفساد الثاني بقتلهم الأنبياء ، حتى قتلوا يحيى بن زكريا ، فبعث الله عليهم بختنصر ، قتل من قتل منهم وسَبى من سَبى وخرّب المسجد ، فكان بختنصر للفساد الثاني . قال : والفساد : المعصية . ثم قال : فإذَا جاءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجدَ كما دَخَلُوهُ أوّلَ مَرّةٍ . . . إلى قوله : وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنا فبعث الله لهم عُزَيزا ، وقد كان علّم التوراة وحفظها في صدره ، وكتبها لهم . فقام بها ذلك القرن ، ولبثوا ونسوا . ومات عُزَيرٌ ، وكانت أحداث ، ونسوا العهد ، وبخّلوا ربهم ، وقالوا : يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بمَا قالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وقالوا في عُزَيرٍ : إن الله اتخذه ولدا . وكانوا يعيبون ذلك على النصارى في قولهم في المسيح ، فخالفوا ما نَهَوْا عنه وعملوا بما كانوا يُكَفّرون عليه . فسبق من الله كلمة عند ذلك أنهم لم يظهروا على عدوّ آخر الدهر ، فقال : كُلّما أوْقَدُوا نارا للحَرْبِ أطْفَأها اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسادا وَاللّهُ لا يُحِبّ المُفْسِدِينَ ، فبعث الله عليهم المجوس الثلاثة أربابا ، فلم يزالوا كذلك والمجوس على رقابهم وهم يقولون : يا ليتنا أدركنا هذا النبيّ الذي نجده مكتوبا عندنا ، عسى الله أن يفكنا به من المجوس والعذاب الهون فبعث محمدا صلى الله عليه وسلم ، واسمه محمد ، واسمه في الإنجيل أحمد فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرفُوا كَفَرُوا بِهِ ، قال : فَلَعْنَةُ اللّهِ على الكافِرِينَ وقال : فَباءُوا بِغَضَبٍ على غَضَبٍ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : كُلّما أوْقَدُوا نارا للحَرْبِ أطْفَأها اللّهُ هم اليهود .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : كُلّما أوْقَدُوا نارا للحَرْبِ أطْفَأها اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسادا أولئك أعداء الله اليهود ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ، فلن تلقى اليهود ببلد إلا وجدتهم من أذلّ أهله ، لقد جاء الإسلام حين جاء وهم تحت أيدي المجوس أبغضِ خلقه إليه .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : كُلّما أوْقَدُوا نارا للحَرْبِ أطْفَأها اللّهُ قال : كلما أجمعوا أمرهم على شيء فرّقه الله ، وأطفأ حَدّهم ونارهم ، وقذف في قلوبهم الرعب .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : كُلّما أوْقَدُوا نارا للحَرْبِ أطْفَأها اللّهُ قال : حرب محمد صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله تعالى : وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسادا وَاللّهُ لا يُحِبّ المُفْسِدِينَ .
يقول تعالى ذكره : ويعمل هؤلاء اليهود والنصارى بمعصية الله ، فيكفرون بإياته ويكذّبون رسله ويخالفون أمره ونهيه ، وذلك سعيهم فيها بالفساد . وَاللّهُ لا يُحِبّ المُفْسِدِينَ يقول : والله لا يحبّ من كان عاملاً بمعاصيه في أرضه .
{ وقالت اليهود يد الله مغلولة } أي هو ممسك يقتر بالرزق وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ولا قصد فيه إلى إثبات يد وغل وبسط ولذلك يستعمل حيث لا يتصور ذلك كقوله :
جاد الحمى بسط اليدين بوابل *** شكرت نداه تلاعه ووهاده
ونظيره من المجازات المركبة : شابت لمة الليل . وقيل معناه إنه فقير لقوله تعالى : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } . { غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا } دعاء عليهم بالبخل والنكد أو بالفقر والمسكنة ، أو بغل الأيدي حقيقة يغلون أسارى في الدنيا ومسحوبين إلى النار في الآخرة فتكون المطابقة من حيث اللفظ وملاحظة الأصل كقولك : سبني سب الله دابره . { بل يداه مبسوطتان } ثنى اليد مبالغة في الرد ونفي البخل عنه تعالى وإثباتا لغاية الجود ، فإن غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطيه بيديه ، وتنبيها على منح الدنيا والآخرة وعلى ما يعطي للاستدراج وما يعطي للإكرام . { ينفق كيف يشاء } تأكيد لذلك أي هو مختار في إنفاقه يوسع تارة ويضيق أخرى على حسب مشيئته ومقتضى حكمته ، لا على تعاقب سعة وضيق في ذات يد ، ولا يجوز جعله حالا من الهاء للفصل بينهما بالخبر ولأنها مضاف إليها ، ولا من اليدين إذ لا ضمير لهما فيه ولا من ضميرهما لذلك . والآية نزلت في فنحاص بن عازوراء فإنه قال ذلك لما كف الله عن اليهود ما بسط عليهم من السعة بشؤم تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم وأشرك فيه الآخرون لأنهم رضوا بقوله : { وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا } أي هم طاغون كافرون ويزدادون طغيانا وكفرا بما يسمعون من القرآن كما يزداد المريض مرضا من تناول الغذاء الصالح للأصحاء . { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } فلا تتوافق قلوبهم ولا تتطابق أقوالهم . { كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله } كلما أرادوا حرب الرسول صلى الله عليه وسلم وإثارة شر عليه ردهم الله سبحانه وتعالى بأن أوقع بينهم منازعة كف بها عنه شرهم ، أو كلما أرادوا حرب أحد غلبوا فإنهم لما خالفوا حكم التوراة سلط الله عليهم بختنصر ثم أفسدوا فسلط عليهم فطرس الرومي ، ثم أفسدوا فسلط عليهم المجوس ، ثم أفسدوا فسلط عليهم
المسلمين ، وللحرب صلة أوقدوا أو صفة نارا . { ويسعون في الأرض فسادا } أي للفساد وهو اجتهادهم في الكيد وإثارة الحروب والفتن وهتك المحارم . { والله لا يحب المفسدين } فلا يجازيهم إلا شرا .