النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۚ وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (64)

قوله تعالى : { وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ } فيه تأويلان :

أحدهما : أي مقبوضة عن العطاء على جهة البخل ، قاله ابن عباس وقتادة .

والثاني : مقبوضة عن عذابهم ، قاله الحسن .

قال الكلبي ومقاتل : القائل لذلك فنحاس وأصحابه من يهود بني قينقاع .

{ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } فيه قولان :

أحدهما : أنه قال ذلك إلزاماً لهم البخل على مطابقة الكلام ، قاله الزجاج .

والثاني : أن معناه غلت أيديهم في جهنم على وجه الحقيقة ، قاله الحسن .

{ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا } قال الكلبي : يعني يعذبهم بالجزية .

ويحتمل أن يكون لَعْنُهم هو طردهم حين أجلوا من ديارهم .

{ بَل يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : أن اليدين ها هنا النعمة من قولهم لفلان عندي يد أي نعمة ، ومعناه بل نعمتاه مبسوطتان ، نعمة الدين ، ونعمة الدنيا .

والثاني : اليد ها هنا القوة كقوله تعالى :

{ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ }

[ ص : 45 ] ومعناه بل قوتان بالثواب والعقاب .

والثالث : أن اليد ها هنا الملك من قولهم في مملوك الرجل هو : ملك يمينه ، ومعناه ملك الدنيا والآخرة .

والرابع : أن التثنية للمبالغة في صفة النعمة كما تقول العرب لبيك وسعديك ، وكقول الأعشى :

يداك يدا مجد فكف مفيدة *** وكف إذا ما ضنَّ بالزاد تنفق{[814]}

{ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } يحتمل وجهين :

أحدهما : بمعنى أنه يعطي من يشاء من عباده إذا علم أن في إعطائه مصلحة دينه .

والثاني : ينعم على من يشاء بما يصلحة في دينه .

{ ولَيزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُم ما أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً } يعني حسدهم إياه وعنادهم له .

{ وَأَلقَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَآءَ } فيه قولان :

أحدهما : أنه عنى اليهود بما حصل منهم من الخلاف .

والثاني : أنه أراد بين اليهود والنصارى في تباين قولهم في المسيح ، قاله الحسن .


[814]:- هذا البيت من قصيدة يمدح بها المحلق بن خنثم بن شداد ومطلعها: أرقت وما هذا السهاد المؤرق وما بي من سقم وما بي معشق.