جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۚ وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (64)

{ وقالت اليهود يد الله مغلولة } مجاز عن البخل أي هو مسك كف الله عنهم نعمة الدنيا حين جحدوا القرآن بعد ما كانوا في خصب ورخاء فقالوا ذلك { غُلّت أيديهم } أي : هم البخلاء أو دعا عليهم بالبخل قيل : هي من الغل في النار { ولُعنوا بما قالوا بل{[1285]} يداه مبسوطتان } ليس له بخل أصلا وله غاية الجود وتثنية اليد تدل عليها ، وقيل يداه أي : نعمة الدنيا والآخرة { ينفق كيف يشاء } تأكيد لذلك أي هو مختار يوسع ويقتر بحسب مشيئته وإرادته { وليزيدن كثيرا منهم ما أُنزل } فاعل يزيدن { إليك من ربك طغيانا وكفرا } : كلما نزلت آية كفروا وازدادوا طغيانا وكفرا { وألقينا بينهم } : بين طوائف اليهود { العداوة{[1286]} والبغضاء إلى يوم القيامة } فلا يتفق كلمتهم { كلما أوقدوا نارا للحرب } : مع المسلمين { أطفأها{[1287]} الله } بأن أوقع بينهم منازعة كف بها شرهم { ويسعون في الأرض فسادا } : للفساد أو يسعون بمعنى يفسدون { والله لا يحب المفسدين } : لا يرضى عنهم ولا يعزّهم .


[1285]:أعلم أن اليد صفة قائمة بذات الله وهي صفة سوى القدرة من شأنها التكوين على سبيل الاصطفاء، والذي يدل عليه أن الله تعالى أخبر عن آدم أنه خلقه بيديه على سبيل الكرامة، ولو كان معناه بقدرته أو بنعمته أو ملكه لم يكن لخصوصية آدم بذلك وجه مفهوم وامتنع كون آدم مصطفى بذلك؛ لأن ذلك حاصل في جميع المخلوقات فلا بد من إثبات صفة أخرى وراء ذلك يقع بها الخلق والتكوين على سبيل الاصطفاء وبه قال أبو الحسن الأشعري على ما نقله الرازي عنه وجماعة من أهل الحديث/12 فتح. فلا نكذب بأصلها لعدم علمنا بوصفها وآمنا بالله كما هو بأسمائه وصفاته/12.
[1286]:لا يقال: إن هذا المعنى حاصل بين المسلمين أيضا فكيف يكون عيبا عليهم لا على المسلمين لأنا نقول: إن هذه البدع والافتراق لم يكن شيئا منها حاصلا بينهم في الصدر الأول، وإنما حدثت بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم فحرى جعل ذلك عيبا عليهم في ذلك العصر الذي نزل فيه القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم/12 فتح.
[1287]:أي: كلما جمعوا للحرب جمعا وأعدوا له عدة شتت الله جمعهم وذهب بريحهم، وذلك بأن بعث الله عليهم بخت نصر البابلي ثم أفسدوا فبعث الله عليهم طيطوس الرومي، ثم أفسدوا فسلط عليهم المجوس وهم أهل الفرس، ثم أفسدوا فقالوا يد الله مغلولة، فبعث الله المسلمين فلا تزال اليهود في ذلة أبدا وهكذا لا يزالون يهيجون الحروب ويجمعون عليها ثم يبطل الله ذلك/12 فتح.