المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

مقدمة السورة:

طلبت هذه السورة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يلجأ إلى ربه ، ويعتصم به من شر كل ذي شر من مخلوقاته ، ومن شر الليل إذا دخل ظلامه . لما يصيب النفوس فيه من الوحشة ، ولما يتعذر من دفع ضرره ، ومن شر المفسدات الساعيات في حل ما بين الناس من روابط وصلات ، ومن شر حاسد يتمنى زوال ما يسبغ الله على عباده من نعمه .

1- قل أعتصم برب الصبح الذي ينجلي الليل عنه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفلق .

مكية ، وآياتها خمس .

{ قل أعوذ برب الفلق } قال ابن عباس ، وعائشة : كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود ، فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعدة أسنان من مشطه ، فأعطاها اليهود فسحروه فيها ، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم ، رجل من يهود ، فنزلت السورتان فيه .

أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أنبأنا أنس بن عياض ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم : طب حتى إنه ليخيل إليه أنه قد صنع شيئاً وما صنعه ، وأنه دعا ربه ، ثم قال : أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ فقالت عائشة : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ قال الآخر : هو مطبوب . قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : فبماذا ؟ قال : في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر ، قال : فأين هو ؟ قال : في ذروان -وذروان بئر في بني زريق -قالت عائشة : فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رجع إلى عائشة ، فقال : والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين ، قالت : فقلت له : يا رسول الله هلا أخرجته ؟ قال : أما أنا فقد شفاني الله ، فكرهت أن أثير على الناس به شراً " . وروي أنه كان تحت صخرة في البئر ، فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة ، فإذا فيه مشاطة رأسه ، وأسنان مشطه فيها .

أخبرنا المطهر بن علي الفاري ، أنبأنا محمد بن إبراهيم الصالحاني ، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الشيخ الحافظ ، أنبأنا ابن أبي عاصم ، حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن يزيد بن حبان بن أرقم قال : " سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود ، قال : فاشتكى لذلك أياماً ، قال : فأتاه جبريل ، فقال : إن رجلاً من اليهود سحرك وعقد لك عقدا ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فاستخرجها فجاء بها ، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال ، فما ذكر ذلك لليهود ولا رأوه في وجهه قط " .

قال مقاتل والكلبي : كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة . وقيل : كانت العقد مغروزة بالإبرة ، فأنزل الله هاتين السورتين ، وهما إحدى عشرة آية ، سورة الفلق خمس آيات ، وسورة الناس ست آيات ، كلما قرأ آية انحلت عقدة ، حتى انحلت العقد كلها ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال . وروي : أنه لبث فيه ستة أشهر ، واشتد عليه ثلاث ليال ، فنزلت المعوذتان .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا بشر بن هلال الصواف ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد : " أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، اشتكيت ؟ قال : نعم ، فقال : بسم الله أرقيك من كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك ، بسم الله أرقيك " . قوله عز وجل :{ قل أعوذ برب الفلق } ، أراد بالفلق : الصبح ، وهو قول جابر بن عبد الله ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، وأكثر المفسرين ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، بدليل قوله :{ فالق الإصباح } . وروي عن ابن عباس : أنه سجن في جهنم . وقال الكلبي : واد في جهنم . وقال الضحاك : يعني الخلق ، وهي رواية الوالبي عن ابن عباس ، والأول هو المعروف .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفلق مكية وآياتها خمس

هذه السورة والتي بعدها توجيه من الله - سبحانه وتعالى - لنبيه [ صلى الله عليه وسلم ] ابتداء وللمؤمنين من بعده جميعا ، للعياذ بكنفه ، واللياذ بحماه ، من كل مخوف : خاف وظاهر ، مجهول ومعلوم ، على وجه الإجمال وعلى وجه التفصيل . . وكأنما يفتح الله - سبحانه - لهم حماه ، ويبسط لهم كنفه ، ويقول لهم ، في مودة وعطف : تعالوا إلى هنا . تعالوا إلى الحمى . تعالوا إلى مأمنكم الذي تطمئنون فيه . تعالوا فأنا أعلم أنكم ضعاف وأن لكم أعداء وأن حولكم مخاوف وهنا . . هنا الأمن والطمأنينة والسلام . .

ومن ثم تبدأ كل منهما بهذا التوجيه . ( قل : أعوذ برب الفلق ) . . ( قل : أعوذ برب الناس ) . .

وفي قصة نزولها وقصة تداولها وردت عدة آثار ، تتفق كلها مع هذا الظل الذي استروحناه ، والذي يتضح من الآثار المروية أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] استروحه في عمق وفرح وانطلاق :

عن عقبة - ابن عامر - رضي الله عنه - أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : " ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط ? قل : أعوذ برب الفلق وقل : أعوذ برب الناس " . .

وعن جابر - رضي الله عنه - قال : قال لي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " اقرأ يا جابر " . قلت : ماذا بأبي أنت وأمي ? قال " اقرأ : قل أعوذ برب الفلق . وقل أعوذ برب الناس " فقرأتهما . فقال : " اقرأ بهما فلن تقرأ بمثلهما " . .

وعن ذر بن حبيش قال : سألت أبي بن كعب - رضي الله عنه - عن المعوذتين . قلت : يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا [ وكان ابن مسعود لا يثبتهما في مصحفه ثم ثاب إلى رأي الجماعة وقد أثبتهما في المصحف ] فقال : سألت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : " قيل لي : قل . فقلت " . فنحن نقول كما قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وكل هذه الآثار تشي بتلك الظلال الحانية الحبيبة . .

وهنا في هذه السورة يذكر الله - سبحانه - نفسه بصفته التي بها يكون العياذ من شر ما ذكر في السورة .

( قل أعوذ برب الفلق ) . . والفلق من معانيه الصبح ، ومن معانيه الخلق كله . بالإشارة إلى كل ما يفلق عنه الوجود والحياة ، كما قال في الأنعام : ( إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ) . . وكما قال : ( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ) . .

وسواء كان هو الصبح فالاستعاذة برب الصبح الذي يؤمن بالنور من شر كل غامض مستور ، أو كان هو الخلق فالاستعاذة برب الخلق الذي يؤمن من شر خلقه ، فالمعنى يتناسق مع ما بعده . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورتي المعوذتين

وهما مدنيتان .

قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا عاصم بن بَهْدَلة ، عن زر بنُ حُبَيش قال : قلت لأبي بن كعب : إن ابن مسعود [ كان ]{[1]} لا يكتب المعوذتين في مصحفه ؟ فقال : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن جبريل ، عليه السلام ، قال له : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } فقلتها ، قال : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } فقلتها . فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم{[2]} . {[3]} .

ورواه أبو بكر الحُميدي في مسنده ، عن سفيان بن عيينة ، حدثنا عبدة بن أبي لُبَابة ، وعاصم بن بهدلة ، أنهما سمعا زر بن حبيش قال : سألتُ أبي بن كعب عن المعوذتين ، فقلت : يا أبا المنذر ، إن أخاك ابن مسعود يَحُكهما من المصحف . فقال : إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " قيل{[4]} لي : قل ، فقلت " . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{[5]} .

وقال أحمد : حدثنا وَكيع ، حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زر قال : سألتُ ابنَ مسعود عن المعوذتين فقال : سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عنهما فقال : " قيل لي ، فقلت لكم ، فقولوا " . قال أبي : فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نقول{[6]} .

وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثنا عَبدَةُ بن أبي لُبَابة ، عن زر بن حُبَيش - وحدثنا عاصم عن زر - قال : سألت أبي بن كعب فقلت : أبا المنذر ، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا . فقال : إني سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " قيل لي ، فقلت " . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{[7]} .

ورواه البخاري أيضًا والنسائي ، عن قتيبة ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبدة وعاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب ، به{[8]} .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الأزرق بن علي ، حدثنا حسان بن إبراهيم ، حدثنا الصَّلْت بن بَهرَام ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : كان عبد الله يَحُك المعوذتين من المصحف ، ويقول : إنما

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما ، ولم يكن عبد الله يقرأ بهما{[9]}

ورواه عبد الله بن أحمد من حديث الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن{[10]} بن يزيد قال : كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه ، ويقول : إنهما ليستا من كتاب الله .

قال الأعمش : وحدثنا عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب قال : سألنا عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " قيل لي ، فقلت " {[11]} .

وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء : أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ، فلعله لم يسمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يتواتر عنده ، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة ، فإن الصحابة ، رضي الله عنهم ، كتبوهما{[12]} في المصاحف الأئمة ، ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك ، ولله الحمد والمنة .

وقد قال مسلم في صحيحه : حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، عن بيان ، عن قيس بن أبي حَازم ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم يُر مثلهن قط : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }{[13]} .

ورواه أحمد ، ومسلم أيضا ، والترمذي ، والنسائي ، من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عقبة ، به{[14]} . وقال الترمذي : حسن صحيح .

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن جابر ، عن القاسم أبي عبد الرحمن ، عن عقبة بن عامر قال : بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نَقب من تلك النقاب ، إذ قال لي : " يا عقبة ، ألا تَركب ؟ " . قال : [ فَأجْلَلْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركبه . ثم قال : " يا عُقيب ، ألا تركب ؟ " . قال ]{[15]} فأشفقت أن تكون معصية ، قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبت هنيهة ، ثم ركب ، ثم قال : " يا عقيب ، ألا أُعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس ؟ " . قلت : بلى يا رسول الله . فأقرأني : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } ثم أقيمت الصلاة ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما ، ثم مر بي فقال : " كيف رأيت يا عقيب{[16]} ؟ اقرأ بهما كلما نمت ، وكلما قمت " .

ورواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم وعبد الله بن المبارك ، كلاهما عن ابن جابر ، به{[17]} .

ورواه أبو داود والنسائي أيضًا ، من حديث ابن وهب ، عن معاوية بن صالح ، عن العلاء بن الحارث ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن عقبة ، به{[18]} .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني يزيد بن عبد العزيز الرعيني وأبو مرحوم ، عن يزيد بن محمد القرشي ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة .

ورواه أبو داود والترمذي والنسائي ، من طرق ، عن علي بن أبي رباح{[19]} . وقال الترمذي : غريب .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا يحيى{[20]} بن إسحاق ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن مشَرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرأ بالمعوذتين ، فإنك لن تقرأ بمثلهما " . تفرد به أحمد{[21]} .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا حيوة بن شُرَيْح ، حدثنا بَقِيَّة ، حدثنا بَحير بن سعد ، عن خالد بن مَعْدان ، عن جُبَير بن نُفَير ، عن عقبة بن عامر أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت له بغلة شهباء ، فركبها فأخذ عقبة يقودها له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{[22]} : اقرأ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } فأعادها له حتى قرأها ، فعرف أني لم أفرح بها جدًا ، فقال : " لعلك تهاونت بها ؟ فما قمت تصلي بشيء مثلها " .

ورواه النسائي عن عمرو بن عثمان ، عن بقية ، به{[23]} . ورواه النسائي أيضا من حديث الثوري ، عن معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين ، فذكر نحوه{[24]} .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر ، سمعت النعمان ، عن زياد أبي الأسد ، عن عقبة بن عامر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الناس لم يتعوذوا بمثل هذين : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }{[25]} .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن أبي عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن عقبة بن عامر قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عقبة ، قل " . فقلت : ماذا أقول ؟ فسكت عني ، ثم قال : " قل " . قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ فسكت عني ، فقلت : اللهم ، أردده علي . فقال : " يا عقبة ، قل " . قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ فقال : " { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } ، فقرأتها حتى أتيت على آخرها ، ثم قال : " قل " . قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ قال : " { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } ، فقرأتها حتى أتيت على آخرها ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : " ما سأل سائل بمثلهما ، ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما " {[26]} .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا محمد بن يسار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا معاوية ، عن العلاء بن الحارث ، عن مكحول ، عن عقبة بن عامر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في صلاة الصبح{[27]} .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي عمران أسلم ، عن عقبة بن عامر قال : اتبعت{[28]} رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب ، فوضعت يدي على قدمه{[29]} فقلت : أقرئني سورة هود أو سورة يوسف . فقال : " لن تقرأ شيئًا أنفع{[30]} عند الله من { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق }{[31]} .

حديث{[32]} آخر : قال النسائي : أخبرنا محمود بن خالد ، حدثنا الوليد ، حدثنا أبو عمرو الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي عبد الله ، عن ابن عائش{[33]} الجهني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " يا ابن عائش ، ألا أدلك - أو : ألا أخبرك - بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون ؟ " . قال : بلى ، يا رسول الله . قال : " { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } هاتان السورتان " {[34]} .

فهذه طرق عن عقبة كالمتواترة عنه ، تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث .

وقد تقدم في رواية صُدَيّ بن عجلان ، وفَرْوَةَ بن مُجَاهد ، عنه : " ألا أعلمك ثلاثَ سُوَر لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان{[35]} مثلهن ؟ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا الجريري ، عن أبي العلاء قال : قال رجل : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، والناس يعتقبون ، وفي الظهر قلة ، فحانت نزلَة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلتي ، فلحقني فضرب [ من بعدي ]{[36]} منكبي ، فقال : " { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } ، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه ، ثم قال : " { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } ، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه ، فقال : " إذا صليت فاقرأ بهما " {[37]} .

الظاهر أن هذا الرجل هو عقبة بن عامر ، والله أعلم .

ورواه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن علية ، به{[38]} .

حديث آخر : قال النسائي : أخبرنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن عبد الله بن سعيد ، حدثني يزيد بن رومان ، عن عقبة بن عامر ، عن عبد الله الأسلمي - هو ابن أنيس - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره ثم قال : " قل " . فلم أدر ما أقول ، ثم قال لي : " قل " . قلت : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ثم قال لي : " قل " . قلت : { أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } حتى فرغت منها ، ثم قال لي : " قل " . قلت : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } حتى فرغت منها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هكذا فَتَعَوَذْ{[39]} ، ما تعوذَ المتعوذون بمثلهن قط " {[40]} .

حديث آخر : قال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي أبو حفص ، حدثنا بَدَل ، حدثنا شداد بن سعيد أبو طلحة ، عن سعيد الجُرَيري ، حدثنا أبو نَضْرة ، عن جابر بن عبد الله قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرأ يا جابر " . قلت : وما أقرأ بأبي أنت وأمي ؟ قال : " اقرأ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس } . فقرأتهما ، فقال : " اقرأ بهما ، ولن تقرأ بمثلهما " {[41]} .

وتقدم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهن ، وينفث في كفيه ، ويمسح بهما رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده .

وقال الإمام مالك : عن ابن شهاب ، عن عُرْوَة ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح بيده عليه ، رجاء بركتها .

ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى بن يحيى ، وأبو داود عن القعنبي ، والنسائي عن قتيبة- ومن حديث ابن القاسم ، وعيسى بن يونس - وابن ماجة من حديث معن وبشر بن عُمَر ، ثمانيتهم عن مالك ، به{[42]} .

وتقدم في آخر سورة : " ن " من حديث أبي نضرة ، عن أبي سعيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أعين الجان ، وعين الإنسان ، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما ، وترك ما سواهما . رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ، وقال الترمذي : حديث حسن .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا حسن بن صالح ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر قال : الفلق : الصبح .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : { الْفَلَقِ } الصبح . ورُوي عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ، والحسن ، وقتادة ، ومحمد بن كعب القرظي ، وابن زيد ، ومالك عن زيد بن أسلم ، مثل هذا .

قال القرظي ، وابن زيد ، وابن جرير : وهي كقوله تعالى : { فَالِقُ الإصْبَاحِ } [ الأنعام : 96 ] .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { الْفَلَقِ } الخلق . وكذا قال الضحاك : أمر الله نبيه أن يتعوذ من الخلق كله .

وقال كعب الأحبار : { الْفَلَقِ } بيت في جهنم ، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره ، ورواه ابن أبي حاتم ، ثم قال :

حدثنا أبي ، حدثنا سهيل بن عثمان ، عن رجل سماه ، عن السدي ، عن زيد بن علي ، عن آبائه أنهم قالوا : { الْفَلَقِ } جب في قعر جهنم ، عليه غطاء ، فإذا كشف عنه خرجت منا{[30838]} نار تصيح منه جهنم ، من شدة حر ما يخرج منه .

وكذا رُوي عن عمرو بن عَبَسَةَ{[30839]} والسدي ، وغيرهم .

وقد ورد في ذلك حديثٌ مرفوع منكر ، فقال ابن جرير :

حدثني إسحاق بن وهب الواسطي ، حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي ، حدثنا نصر بن خزيمة الخراساني ، عن شعيب بن صفوان ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن أبي هُريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { الْفَلَقِ } جُبّ في جهنم مغطى " {[30840]} إسناده{[30841]} غريب ولا يصح رفعه .

وقال أبو عبد الرحمن الحبلي : { الْفَلَقِ } من أسماء جهنم .

قال ابن جرير : والصواب القول الأول ، أنه فلق الصبح . وهذا هو الصحيح ، وهو اختيار البخاري ، رحمه الله في صحيحه{[30842]} .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
[4]:في د: "إنهم قالوا".
[5]:في د: "تكفروهما".
[6]:تفسير الطبري (11/228).
[7]:في د: "ومال".
[8]:في د: "أن يعذب".
[9]:في د: "اللهم إني أعوذ بك".
[10]:في د: "لا يحتسبون".
[11]:في د: "وجلس".
[12]:في د: "فإذا هو بسمكة".
[13]:في د: "الغالبة".
[14]:في د: "وضربوهما".
[15]:في ف، أ: "زاكية".
[16]:في ف: "قد بلغت مني" وهو خطأ.
[17]:في إسناده عاصم وقد تكلم فيه وشيخه مجهول. ورواه البخاري في صحيحه برقم (4569) ومسلم في صحيحه برقم (763) من طريق كريب عن ابن عباس بنحوه.
[18]:صحيح البخاري برقم (4725).
[19]:في جـ، ر، أ، و: "بيضاء".
[20]:في ت، ف، أ: "فذكره بنحوه".
[21]:في ت، ف، أ: "عن".
[22]:في ت: "قال: فأصاب".
[23]:في أ: "وسباق".
[24]:صحيح البخاري برقم (4727).
[25]:في أ: "فقال وقال".
[26]:في ت: "هل على الأرض"، وفي ف: "هل في الناس".
[27]:في ت: "فبينما".
[28]:في ف، أ: "يريان".
[29]:في و: "طريق أخرى: قال عبد بن حميد في تفسيره: أنبأنا".
[30]:زيادة من ف، أ، والبخاري.
[31]:في ف، أ: "قال لى".
[32]:في ت: "كبده".
[33]:في أ: "أما يكفيك"، وفي ت: "ألا تكفيك.
[34]:في ف: "أما يكفيك أن التوراة".
[35]:زيادة من ف، أ، والبخاري.
[36]:في ت: "فحمد".
[37]:في ت، أ: "إلى أهل".
[38]:زيادة من أ، و.
[39]:في ت: "كقوله".
[40]:زيادة من ف، أ، والبخاري.
[41]:في ت: "المقصود".
[42]:في أ: "حيسون".
[30838]:في م، أ: "خرجت منه".
[30839]:في أ: "عنبسة".
[30840]:تفسير الطبري (30/225).
[30841]:في م: "إسناد".
[30842]:تفسير الطبري (30/225) وصحيح البخاري (8/741) "فتح".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الفلق . {[1]}

هذه السورة قال ابن عباس : هي مدنية ، وقال قتادة : هي مكية .

الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد هو آحاد أمته ، وقال ابن عباس وابن جبير والحسن والقرظي وقتادة ومجاهد وابن زيد : { الفلق } : الصبح ، كقوله تعالى : { فالق الإصباح }{[12032]} [ الأنعام : 96 ] ، وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم : { الفلق } : جب في جهنم ، ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم{[12033]}


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[12032]:من الآية 96 من سورة الأنعام.
[12033]:أخرجه ابن جرير، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة ، وقال الإمام ابن كثير عنه: "ورد في ذلك حديث مرفوع منكر، إسناده غريب، ولا يصح رفعه". وقال ابن جرير في تفسيره: والصواب القول الأول: إنه فلق الصبح، وقال ابن كثير: وهذا هو الصحيح، وهو اختيار البخاري في صحيحه.