المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

10- وفي سبيل أن تؤدى دعوتك ألْق عصاك . فلما ألقاها ورآها تهتز كأنها حية خفيفة سريعة أعرض عنها راجعا إلى الوراء ، ولم يعد إليها بعد أن أدبر عنها ، فطمْأنه الله تعالى بقوله : لا تخف إني لا يخاف عندي المرسلون حين أخاطبهم{[163]} .


[163]:ذكرت قصة موسى أكثر من مرة في القرآن، وفي بعضها يحذف ما سيذكر في غيره، ولكل جزء مناسبة، ففي هذا الجزء إزالة استغراب أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

ثم أرى موسى آية على قدرته ، فقال { وألق عصاك فلما رآها تهتز } تتحرك ، { كأنها جان } وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها ، { ولى مدبراً } هرب من الخوف ، { ولم يعقب } ولم يرجع ، يقال : عقب فلان إذا رجع ، وكل راجع معقب . وقال قتادة : ولم يلتفت ، فقال الله عز وجل : { يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون } يريد إذا آمنتهم لا يخافون ، أما الخوف الذي هو شرط الإيمان فلا يفارقهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا أخشاكم لله " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

{ وَأَلْقِ عَصَاكَ } فألقاها { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ } وهو ذكر الحيات سريع الحركة ، { وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } ذعرا من الحية التي رأى على مقتضى الطبائع البشرية ، فقال الله له : { يَا مُوسَى لا تَخَفْ } وقال في الآية الأخرى : { أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ } { إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } لأن جميع المخاوف مندرجة في قضائه وقدره وتصريفه وأمره ، فالذين اختصهم الله برسالته واصطفاهم لوحيه لا ينبغي لهم أن يخافوا غير الله خصوصا عند زيادة القرب منه والحظوة بتكليمه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ؛ ليظهر له دليلا واضحا على أنه الفاعل المختار ، القادر على كل شيء . فلما ألقى موسى تلك العصا{[21970]} من يده انقلبت في الحال حَيَّةً عظيمة هائلة في غاية الكبر ، وسرعة الحركة مع ذلك ؛ ولهذا قال : { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ } والجان : ضرب من الحيات ، أسرعه حركة ، وأكثره اضطرابا - وفي الحديث نَهْيٌ عن قتل جِنَّان{[21971]} البيوت{[21972]} - فلما عاين موسى ذلك { وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي : لم يلتفت من شدة فرقه { يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } أي : لا تخف مما ترى ، فإني أريد أن أصطَفيك رسولا وأجعلك نبيًا وجيهًا .


[21970]:- في ف ، أ : "العصاة".
[21971]:- في ف ، أ : "حيات".
[21972]:- صحيح البخاري برقم (3298) من حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

{ وألق عصاك } عطف على { بورك } أي نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك ، ويدل عليه قوله { وأن ألق عصاك } بعد قوله { أن يا موسى إني أنا الله } بتكرير أن . { فلما رآها تهتز } تتحرك باضطراب . { كأنها جان } حية خفيفة سريعة ، وقرىء " جأن " على لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين . { ولى مدبرا ولم يعقب } ولم يرجع من عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار ، وإنما رعب لظنه أن ذلك الأمر أريد به ويدل عليه قوله : { يا موسى لا تخف } أي من غيري ثقة بي أو مطلقا لقوله : { إني لا يخاف لدي المرسلون } أي حين يوحى إليهم من فرط الاستغراق فإنهم أخوف الناس أي من الله تعالى ، أو لا يكون لهم عندي سوء عاقبة فيخافون منه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

أمره الله عز وجل بهذين الأمرين تدريباً له في استعمالهما ، وفي الكلام حذف تقديره فألقى العصا { فلما رآها تهتز } ، وأمال «رآها » بعضُ القراء ، و «الجانّ » الحيات لأنها تجن أنفسها أي تسترها ، وقالت فرقة : الجان صغار الحيات وعصا موسى صارت حية ثعباناً وهو العظيم فإنها شبهت ب «الجانّ » في سرعة الاضطراب ، لأن الصغار أكثر حركة من الكبار ، وعلى كل قول فإن الله خلق في العصا حياة وغير أوصافها وأعراضها فصارت حية ، وقرأ الحسن والزهري وعمرو بن عبيد «جأن » بالهمز فلما أبصر موسى عليه السلام هول ذلك المنظر { ولى } فاراً ، قال مجاهد ولم يرجع وقال قتادة : ولم يلتفت .

قال القاضي أبو أحمد : و «عقب » الرجل إذا ولى عن أمر صرف بدنه أو وجهه إليه كأنه انصرف على عقبيه وناداه الله مؤنساً ومقوياً على الأمر : { يا موسى لا تخف } فإن رسلي الذين اصطفيتهم للنبوّة لا يخافون عندي ، ومعي ، فأخذ موسى الحية فرجعت عصا ثم صارت له عادة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

لعل قصد إفادة قوة توليه لمّا رأى عصاه تهْتَزّ هو الداعي لتأكيد فعل { ولّى } بقوله : { مدبراً ولم يعقب } فتأمّل .

والإدبار : التوجه إلى جهة الخلف وهو ملازم للتولي فقوله : { مدبراً } حال لازمة لفعل { ولَّى } .

والتعقب : الرجوع بعد الانصراف مشتق من العَقب لأنه رجوع إلى جهة العَقب ، أي الخلْف ، فقوله : { ولم يعقب } تأكيد لشدة تولّيه ، أي ولّى تولياً قوياً لا تردد فيه . وكان ذلك التولي منه لتغلّب القوة الواهمة التي في جبلة الإنسان على قوة العقل الباعثة على التأمل فيما دل عليه قوله : { أنا الله العزيز } من الكناية عن إعطائه النبوءة والتأييد ، إذ كانت القوة الواهمة متأصلة في الجبلة سابقة على ما تلقاه من التعريض بالرسالة ، وتأصُّل القوة الواهمة يزول بالتخلق وبمحاربة العقل للوهَم فلا يزالان يتدافعان ويضعف سلطان الوَهَم بتعاقب الأيام .

وقوله : { يا موسى لا تخف } مقول قول محذوف ، أي قلنا له . والنهي عن الخوف مستعمل في النهي عن استمرار الخوف . لأن خوفه قد حصل . والخوف الحاصل لموسى عليه السلام خوف رغب من انقلاب العصا حية وليس خوف ذَنب ، فالمعنى : لا يَجْبُنُ لديَّ المرسلون لأني أحفَظُهم .

و { إني لا يخاف لديّ المرسلون } تعليل للنهي عن الخوف وتحقيق لما يتضمنه نهيه عن الخوف من انتفاء موجبه .

وهذا كناية عن تشريفه بمرتبة الرسالة إذ عُلّل بأن المرسلين لا يخافون لدى الله تعالى . ومعنى { لديّ } في حضرتي ، أي حين تلقِّي رسالتي . وحقيقة { لدي } مستحيلة على الله لأن حقيقتها المكان .

وإذا قد كان انقلاب العصا حية حصل حين الوحي كان تابعاً لما سبقه من الوحي ، وهذا تعليم لموسى عليه السلام التخلق بخلق المرسلين من رِبَاطة الجأش . وليس في النهي حط لمرتبة موسى عليه السلام عن مراتب غيره من المرسلين وإنما هو جار على طريقة : مثلُكَ لا يبخل . والمراد النهي عن الخوف الذي حصل له من انقلاب العصا حية وعن كل خوف يخافه كما في قوله : { فاضْرِب لهم طريقاً في البَحر يَبَساً لا تخافُ درَكاً ولا تخشى } [ طه : 77 ] .