اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

قوله : { وَأَلْقِ } عطف على ما قبله من الجملة الاسمية الخبرية ، وقد تقدم أن سيبويه لا يشترط تناسب الجمل ، وأنه يجيز : جاء زيدٌ ومن أبوك ، وتقدمت أدلته أول البقرة .

وقال الزمخشري : فإن قلت : علام عطف قوله : «وَأَلْقِ عَصَاكَ » ؟ قلت : على قوله : «بُورِكَ » لأن معنى : نودي أن بورك{[38337]} ، وقيل له : ألق عصاك ، والدليل على ذلك قوله : { وأن ألق عصاك } ، بعد قوله : أن يا موسى إني أنا الله على تكرير حرف التفسير ، كما يقول : كتبت إليه أن حجَّ واعتمر ، وإن شئت ، أن حجَّ وأن اعتمر{[38338]} . قال أبو حيان : وقوله إنه معطوف على «بُورِكَ » مُنَافٍ لتقديره ، وقيل له : ألق عصاك ، لأن هذه جملة معطوفة على «بُورِكَ » وليس جزؤها الذي هو معمول ، وقيل : معطوفاً على «بُورِكَ » ، وإنما احتاج إلى تقدير : وقيل له : ألق ، ليكون جملة خبرية مناسبة للجملة الخبرية التي عطفت عليها ، كأنه يرى في العطف تناسب الجمل المتعاطفة . والصحيح أنه لا يشترط ذلك{[38339]} ، ثم ذكر مذهب سيبويه{[38340]} .

{ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جان } ، وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها{[38341]} ، سميت جانّاً ، لأنها تستر عن الناس{[38342]} . وقرأ الحسن ، والزهري ، وعمرو{[38343]} بن عبيد «جَأنٌّ » بهمزة مكان الألف{[38344]} ، وقد{[38345]} تقدم تقرير هذا عند { وَلاَ الضالين } [ الفاتحة : 7 ] على لغة من يهرب من التقاء الساكنين ، فيقول شأبَّة ودأبَّة . «وَلَّي مُدْبِراً » هرب{[38346]} من الخوف ، و «وَلَمْ يُعَقِّبْ » : لم يرجع ، يقال : عقب فلان : إذا رجع ، وكل راجع معقب .

وقال قتادة : ولم يلتفت ، فقال الله{[38347]} : { يا موسى لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون }{[38348]} ، يريد : إذا أمَّنتهم لا يخافون{[38349]} ، وقيل : المراد إذا أمرتهم بإظهار معجز أن لا يخافوا فيما يتعلق بإظهار ذلك ، وإلا فالمرسل قد يخاف لا محالة{[38350]} ، لأن الخوف الذي هو شرط الإيمان لا يفارقهم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أنا أخشاكم لله »{[38351]} .

قوله : «تَهْتَزُّ » جملة حالية من ( هاء ) «رآها »{[38352]} ، لأن{[38353]} الرؤية بصريَّة ، وقوله : «كَأنَّهَا جَانٌّ » : يجوز أن تكون حالاً{[38354]} ثانية{[38355]} ، وأن تكون حالاً من ضمير «تَهْتَزُّ »{[38356]} ، فيكون حالاً متداخلة ، وقوله : «وَلَمْ يُعَقّبْ » يجوز أن يكون عطفاً على «وَلَّى » ، وأن يكون حالاً أخرى ، والمعنى : ولم يرجع على عقبه ، كقوله :

3933 - فَمَا عَقَّبُوا إذْ قِيلَ هَلْ{[38357]} مِنْ مُعَقِّب *** وَلاَ نَزلُوا يَومَ الكَرِيهَةِ مَنْزِلا{[38358]}


[38337]:في الكشاف: نودي أن بورك من في النار، وأن ألق عصاك كلاهما تفسير لنودي، والمعنى: قيل له: بورك من في النار.
[38338]:الكشاف 3/134.
[38339]:البحر المحيط 7/56.
[38340]:قال أبو حيان: (بل قوله: {وألق عصاك} معطوف على قوله {إنه أنا الله العزيز الحكيم} عطف جملة الأمر على جملة الخبر، وقد أجاز سيبويه جاء زيد ومن عمرو) البحر المحيط 7/56.
[38341]:في ب: اضطرب، انظر البغوي 6/262.
[38342]:انظر الفخر الرازي 24/284.
[38343]:في ب: وعمر.
[38344]:المحتسب 2/135، الخصائص 3/126، سر صناعة الإعراب 1/72-73، المنصف 1/149، الكشاف 3/134، ابن يعيش 9/129-130، البحر المحيط 7/56-57.
[38345]:قد: سقط من ب.
[38346]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 6/262.
[38347]:لفظ الجلالة: سقط من ب.
[38348]:في الأصل: المرسلين. وهو تحريف.
[38349]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 6/262.
[38350]:انظر الفخر الرازي 24/184.
[38351]:أخرجه البخاري (نكاح) 3/237، أحمد 6/67، 156، 226، 245.
[38352]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/145، البيان 2/219، التبيان 2/1005.
[38353]:في ب: لأنه. وهو تحريف.
[38354]:في ب: حال.
[38355]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/145، البيان 2/219.
[38356]:انظر التبيان 2/1005.
[38357]:في ب: هم.
[38358]:البيت من بحر الطويل، لم أهتد إلى قائله، وهو في الكشاف 3/134، البحر المحيط 7/57، شرح شواهد الكشاف(100).