فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

{ وألق } عطف على بورك منتظم معه في سلك تفسير النداء أي نودي أن بورك وأن ألق { عصاك فلما رآها تهتز } جملة حالية من هاء ( رآها ) لأن الرؤية بصرية وقوله { كأنها جان } يجوز أن تكون حالا ثانية وأن تكون حالا من ضمير ( تهتز ) فتكون حالا متداخلة ، قاله السمين .

قال الزجاج : صارت العصا تتحرك كما يتحرك الجان وهو الحية البيضاء ، وإنما شبهها بالجان في خفة حركتها وإلا فجثتها كانت كبيرة جدا : وشبهها في موضع آخر بالثعبان لعظمها ، وجمع الجان جنان ، وهي الحية الخفيفة الصغيرة الجسم ، وقال الكلبي : لا صغيرة ولا كبيرة . الفاء فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بظهورها ، ودلالة على سرعة وقوع مضمونها كأنه قيل : فألقاها فانقلبت حية تسعى ، فأبصرها .

فلما أبصرها متحركة بسرعة واضطرب { ولى مدبرا } من الخوف { ولم يعقب } أي لم يرجع على عقبه ، من عقب المقاتل إذا كر بعد الفر ، يقال : عقب فلان إذا رجع ، وكل راجع معقب ، وقيل : لم يقف ولم يلتفت ولم يعطف ، ولم ينظر ، والأول أولى . لأن التعقيب هو الكر بعد الفر ، وإنما اعتراه الرعب لظنه أن ذلك لأمر أريد به كما ينبئ عنه قوله :

{ يا موسى لا تخف } من غيري أي : من الحية وضررها ثقة بي أو لا تخف مطلقا .

{ إني لا يخاف لدي المرسلون } أي : لا يخاف عندي من أرسلته برسالتي ، من حية وغيرها ، فلا تخف ، أنت عندي . قيل : ونفي الخوف عن المرسلين ليس في جميع الأوقات ، بل في وقت الخطاب لهم ، والإيحاء والإرسال ؛ لأنهم إذ ذاك مستغرقون في مطالعة شؤون الله عز وجل ، لا يخطر ببالهم خوف من شيء وأما في غير هذه الحالة فالمرسلون أخوف الناس منه تعالى . أو المعنى لا يكون لهم عندي سوء عاقبته منه ،