108- لا تصل - أيها الرسول - في هذا المسجد أبدا ، وإن مسجداً أقيم ابتغاء وجه اللَّه وطلبا لمرضاته من أول أمره كمسجد قُباء لجدير بأن تؤدى فيه شعائر اللَّه ، وفي هذا المسجد رجال يحبون أن يُطهروا أجسادهم وقلوبهم بأداء العبادة الصحيحة فيه ، واللَّه يحب ويثيب الذين يتقربون إليه بالطهارة الجسمية والمعنوية .
قوله تعالى : { لا تقم فيه أبداً } ، قال ابن عباس : لا تصل فيه منع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي في مسجد الضرار . { لمسجد أسس على التقوى } ، اللام لام الابتداء . وقيل : لام القسم ، تقديره : والله لمسجد أسس ، أي : بني أصله على التقوى ، { من أول يوم } ، أي : من أول يوم بني ووضع أساسه ، { أحق أن تقوم فيه } ، مصلياً . واختلفوا في المسجد الذي أسس على التقوى : فقال ابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وأبو سعيد الخدري : هو مسجد المدينة ، مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والدليل عليه : ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، ثنا محمد بن عيسى الجلودي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، ثنا مسلم بن الحجاج ، ثنا محمد بن حاتم ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن حميد الخراط قال : سمعت أبا سلمة عبد الرحمن قال : مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد ، قال : فقلت له : كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى ؟ فقال : قال أبي : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه فقلت : يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى ؟ قال : فأخذ كفا من الحصباء فضرب به الأرض ، ثم قال :هو مسجدكم هذا ، مسجد المدينة ، قال : فقلت : أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره " .
وأخبرنا أبو الحسن الشيرازي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك عن حبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي " . وذهب قوم إلى أنه مسجد قباء ، وهو رواية عطية عن ابن عباس ، وهو قول عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وقتادة .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا عبد العزيز بن مسلم ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً ، وكان عبد الله بن عمر يفعله . وزاد نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فيصلي فيه ركعتين " . قوله تعالى : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } ، من الأحداث والجنابات والنجاسات ، وقال عطاء : كانوا يستنجون بالماء ولا ينامون بالليل على الجنابة . أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أنبأنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي ، ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام ، عن يونس بن الحارث ، عن إبراهيم بن أبي ميمونة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نزلت هذه الآية في أهل قباء " : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } قال : { كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية } . { والله يحب المطهرين } ، أي المتطهرين .
{ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ْ } أي : لا تصل في ذلك المسجد الذي بني ضرارا أبدا . فاللّه يغنيك عنه ، ولست بمضطر إليه .
{ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ْ } ظهر فيه الإسلام في " قباء " وهو مسجد " قباء " أسس على إخلاص الدين للّه ، وإقامة ذكره وشعائر دينه ، وكان قديما في هذا عريقا فيه ، فهذا المسجد الفاضل { أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ْ } وتتعبد ، وتذكر اللّه تعالى فهو فاضل ، وأهله فضلاء ، ولهذا مدحهم اللّه بقوله : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ْ } من الذنوب ، ويتطهروا من الأوساخ ، والنجاسات والأحداث .
ومن المعلوم أن من أحب شيئا لا بد أن يسعى له ويجتهد فيما يحب ، فلا بد أنهم كانوا حريصين على التطهر من الذنوب والأوساخ والأحداث ، ولهذا كانوا ممن سبق إسلامه ، وكانوا مقيمين للصلاة ، محافظين على الجهاد ، مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وإقامة شرائع الدين ، وممن كانوا يتحرزون من مخالفة اللّه ورسوله .
وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية في مدحهم عن طهارتهم ، فأخبروه أنهم يتبعون الحجارة الماء ، فحمدهم على صنيعهم .
{ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ْ } الطهارة المعنوية ، كالتنزه من الشرك والأخلاق الرذيلة ، والطهارة الحسية كإزالة الأنجاس ورفع الأحداث .
( لا تقم فيه أبداً . لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يتطهروا ، واللّه يحب المطهرين . أفمن أسس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان خير ? أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ? واللّه لا يهدي القوم الظالمين . لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ، إلا أن تقطع قلوبهم ، واللّه عليم حكيم ) . .
والتعبير القرآني الفريد يرسم هنا صورة حافلة بالحركة ، تنبئ عن مصير كل مسجد ضرار يقام إلى جوار مسجد التقوى ، ويراد به ما أريد بمسجد الضرار ؛ وتكشف عن نهاية كل محاولة خادعة تخفي وراءها نية خبيثة ؛ وتطمئن العاملين المتطهرين من كل كيد يراد بهم ، مهما لبس أصحابه مسوح المصلحين :
القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التّقْوَىَ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ أَحَقّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهّرُواْ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُطّهّرِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تقم يا محمد في المسجد الذي بناه هؤلاء المنافقون ضرارا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله . ثم أقسم جلّ ثناؤه فقال : لَمَسْجِدٌ أُسّسَ على التّقْوَى مِنْ أوّلِ يَوْمٍ أحَقّ أنْ تَقُومَ أنت فيه . يعني بقوله : أُسّسَ على التّقْوَى ابتدىء أساسه وأصله على تقوى الله وطاعته من أوّل يوم ابتدىء في بنائه أحَقّ أنْ تَقُومَ فِيهِ يقول : أولى أن تقوم فيه مصليا . وقيل : معنى قوله : مِنْ أوّلِ يَوْمٍ مبدأ أوّل يوم كما تقول العرب : لم أره من يوم كذا ، بمعنى مبدؤه ، ومن أوّل يوم يراد به من أول الأيام ، كقول القائل : لقيت كلّ رجل ، بمعنى كلّ الرجال .
واختلف أهل التأويل في المسجد الذي عناه : لَمَسْجِدٌ أُسّسَ على التّقْوَى مِنْ أوّلِ يَوْمٍ فقال بعضهم : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه منبره وقبره اليوم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن عثمان بن عبيد الله ، قال : أرسلني محمد بن أبي هريرة إلى ابن عمر أسأله عن المسجد الذي أسس على التقوى ، أيّ مسجد هو ؟ مسجد المدينة ، أو مسجد قباء ؟ قال : لا ، مسجد المدينة .
قال : حدثنا القاسم بن عمرو العنقزي ، عن الدراوردي ، عن عثمان بن عبيد الله ، عن ابن عمر وزيد بن ثابت وأبي سعيد ، قالوا : المسجد الذي أسس على التقوى : مسجد الرسول .
قال : حدثنا أبي ، عن ربيعة بن عثمان ، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع ، قال : سألت ابن عمر عن المسجد الذي أسس على التقوى ؟ قال : هو مسجد الرسول .
قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابي الزناد ، عن خارجة بن زيد ، عن زيد ، قال : هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
قال : حدثنا أبي ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان ، عن أبيه ، عن خارجة بن زيد ، عن زيد ، قال : هو مسجد الرسول .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا حميد الخراط المدني ، قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن ، قال : مرّ بي عبد الرحمن بن أبي سعيد ، فقلت : كيف سمعت أباك يقول في المسجد الذي أسس على التقوى ؟ فقال لي : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه في بيت بعض نسائه ، فقلت : يا رسول الله ، أيّ مسجد الذي أسس على التقوى ؟ قال : فأخذ كفّا من حصباء فضرب به الأرض ، ثم قال : «هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا » هكذا سمعت أباك يذكره .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أسامة بن زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبيه ، قال : المسجد الذي أسس على التقوى : هو مسجد النبيّ الأعظم .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا داود ، عن سعيد بن المسيب ، قال : إن المسجد الذي أسس على التقوى من أوّل يوم ، هو مسجد المدينة الأكبر .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، قال : قال سعيد بن المسيب ، فذكر مثله ، إلا أنه قال : الأعظم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن ابن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد قال : أحسبه عن أبيه قال : مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي أسس على التقوى .
وقال آخرون : بل عني بذلك مسجد قباء ، . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : لَمَسْجِدٌ أُسّسَ على التّقْوَى مِنْ أوّلِ يَوْمٍ يعني مسجد قباء .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، نحوه .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية : لَمَسْجِدٌ أُسّسَ على التّقْوَى مِنْ أوّلِ يَوْمٍ هو مسجد قباء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن صالح بن حَيّان ، عن ابن بريدة ، قال : مسجد قباء الذي أُسّس على التقوى ، بناه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : المسجد الذي أسس على التقوى : مسجد قباء .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير : الذين بني فيهم المسجد الذي أسس على التقوى ، بنو عمرو بن عوف .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قالّ : هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لصحة الخبر بذلك عن رسول الله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قال أبو كريب : حدثنا وكيع ، وقال ابن وكيع : حدثنا أبي ، عن ربيعة بن عثمان التيمي ، عن عمران بن أبي أنس رجل من الأنصار ، عن سهل بن سعد ، قال : اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس في التقوى ، فقال أحدهما : هو مسجد النبيّ وقال الاَخر : هو مسجد قباء . فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألاه ، فقال : «هُوَ مَسْجِدِي » . هذا اللفظ لحديث أبي كريب ، وحديث سفيان نحوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمران بن أبي أنس ، عن سهل بن سعد ، عن أبيّ بن كعب : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسجد الذي أسس علي التقوى ، فقال : «مَسْجِدِي هَذَا » .
حدثني يونس ، قال : أخبرني ابن وهب ، قال : ثني الليث ، عن عمران بن أبي أنس ، عن ابن أبي سعيد ، عن أبيه ، قال : تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أوّل يوم ، فقال رجل : هو مسجد قباء ، وقال آخر : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله : «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا » .
حدثني بحر بن نصر الخولاني ، قال : قرىء على شعيب بن الليث ، عن أبيه ، عن عمران بن أبي أنس ، عن سعيد بن أبي سعيد الخدري ، قال : تمارى رجلان ، فذكر مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني سجل بن محمد بن أبي يحيى ، قال : سمعت عمي أنيس بن أبي يحيى يحدّث ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المَسْجِدُ الّذِي أُسّسَ على التّقْوَى مَسْجِدِي هَذَا ، وفِي كُلّ خَيْرٌ » .
حدثني المثنى ، قال : ثني الحماني ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن أنيس ، عن أبيه ، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا صفوان بن عيسى ، قال : أخبرنا أنيس بن أبي يحيى ، عن أبيه ، عن أبي سعيد : أن رجلاً من بني خدرة ورجلاً من بني عمرو بن عوف امتريا في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال الخدري : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال العوفي : هو مسجد قباء ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم وسألاه ، فقال : «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا ، وفي كُلّ خَيْرٌ » .
القول في تأويل قوله تعالى : فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا وَاللّهُ يُحِبّ المُطّهّرِينَ .
يقول تعالى ذكره : في حاضري المسجد الذي أسس على التقوى من أوّل يوم رجال يحبون أن ينظفوا مقاعدهم بالماء إذا أتوا الغائط والله يحبّ المتطهرين بالماء .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب قال : لما نزل : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما الطّهُورُ الّذِي أثْنَى اللّهُ عَلَيْكُمْ ؟ » قالوا : يا رسول الله نغسل أثر الغائط .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء : «إنّ اللّهَ قَدْ أحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثّنَاءَ في الطّهُورِ ، فَمَا تَصْنَعُونَ ؟ » قالوا : إنا نغسل عنا أثر الغائط والبول .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : لما نزلت : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ ما هَذَا الطّهُورُ الّذِي أثْنَى اللّهُ عَلَيْكُمْ فِيهِ ؟ » قالوا : إنا نستطيب بالماء إذ جئنا من الغائط .
حدثني جابر بن الكردي ، قال : حدثنا محمدبن سابق ، قال : حدثنا مالك بن مِغْول ، عن سيار أبي الحَكَم ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، قال : قام علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ألا أخْبِرُوني ، فإنّ اللّهَ قَدْ أثُنَى عَلَيْكُمْ بالطّهُورِ خَيْرا » فقالوا : يا رسول الله إنا نجد عندنا مكتوبا في التوراة الاستنجاء بالماء .
حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن رافع ، عن مالك بن مغول ، قال : سمعت سيارا أبا الحكم غير مرّة ، يحدّث عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم على أهل قباء قال : «إنّ اللّهَ قَدْ أثْنَى عَلَيْكُمْ بالطّهُورِ خَيْرا » ، يعني قوله : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا قالوا : إنا نجده مكتوبا عندنا في التوراة : الاستنجاء بالماء .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا يحيى بن رافع ، قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن سيار ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، قال : يحيى : ولا أعلمه إلا عن أبيه ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأهل قباء : «إنّ اللّهَ قَدْ أثْنَى عَلَيْكُمْ في الطّهُورِ خَيْرا » قالوا : إنا نجده مكتوبا علينا في التوراة : الاستنجاء بالماء . وفيه نزلت : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا .
حدثني عبد الأعلى بن واصل ، قال : حدثنا إسماعيل بن صبيح اليشكري ، قال : حدثنا أبو أويس المدني ، عن شرحبيل بن سعد ، عن عويم بن ساعدة وكان من أهل بدر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء : «إنّي أسْمَع اللّهَ قَدْ أثْنَى عَلَيْكُمْ الثّنَاءَ في الطّهُورِ ، فَمَا هَذَا الطّهُورِ ؟ » قالوا : يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أن جيرانا لنا من اليهود رأيناهم يغسلون أدبارهم من الغائط ، فغسلنا كما غسلوا .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا محمد بن سعيد ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد ، عن شرحبيل بن سعد قال : سمعت خزيمة بن ثابت يقول : نزلت هذه الآية : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا وَاللّه يحبّ المُطّهّرَينَ قال : كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي ليلى ، عن عامر ، قال : كان ناس من أهل قباء يستنجون بالماء ، فنزلت : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا وَاللّه يُحِبّ المُطّهّرَينَ .
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا شبابة بن سوار ، عن شعبة ، عن مسلم القُرّي ، قال : قلت لابن عباس : أصب على رأسي ؟ وهو محرم قال : ألم تسمع الله يقول : إنّ اللّهَ يُحِبّ التّوّابِينَ وَيُحِبّ المُتَطَهّرِينَ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص ، عن داود بن أبي ليلى ، عن الشعبي ، قال : لما نزلت : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء «ما هَذَا الّذِي أثْنَى اللّهُ عَلَيْكُمْ ؟ » قالوا : ما منا من أحد إلا وهو يستنجي من الخلاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الحميد المدني ، عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعويم بن ساعدة : «ما هَذَا الّذِي أثْنَى اللّه عَلَيْكُمْ فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا واللّهُ يُحِبّ المُطّهّرِينَ ؟ » قال : نوشك أن نغسل الأدبار بالماء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال : أخبرنا أبو جعفر ، عن حصين ، عن موسى بن أبي كثير ، قال : بدء حديث هذه الآية في رجال من الأنصار من أهل قباء : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا وَاللّهُ يُحِبّ المُطّهّرِينَ فسألهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قالوا : نستنجي بالماء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال أخبرني ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن أبي الزناد ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف ، ومعن بن عديّ من بني العجلان ، وأبي الدحداح ، فأما عويم بن ساعدة فهو الذي بلغنا أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : من الذين قال الله فيهم : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا وَاللّهُ يُحِبّ المُطّهّرِينَ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نِعْمَ الرّجالُ مِنْهُمْ عُوَيْمَ بْنُ ساعِدَةَ » لم يبلغنا أنه سمى منهم رجلاً غير عويم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن هشام بن حسان ، قال : حدثنا الحسن ، قال : لما نزلت هذه الآية : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا وَاللّهُ يُحِبّ المُطّهّرِينَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هَذَا الّذِي ذَكَرَكُمُ اللّهُ بِهِ في أمْرِ الطّهُورِ ، فأثْنَى بِهِ عَلَيْكُمْ ؟ » قالوا : نغسل أثر الغائط والبول .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن مالك بن مغول ، قال : سمعت سيارا أبا الحكم يحدّث عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أو قال : قدم علينا رسول الله فقال : «إنّ اللّهَ قَدْ أثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطّهُورِ خَيْرا أفَلا تُخْبِرُونِي ؟ » قالوا : يا رسول الله ، إنا نجد علينا مكتوبا في التوراة : الاستنجاء بالماء . قال مالك : يعني قوله : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا .
حدثني أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، قال : لما نزلت هذه الآية : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما طُهُورُكُمْ هَذَا الّذِي ذَكَرَ اللّهُ ؟ » قالوا : يا رسول الله كنا نستنجي بالماء في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام لم ندعه قال : فَلا تَدَعُوهُ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان في مسجد قباء رجال من الأنصار يوضئون سفَلتهم بالماء يدخلون النخل والماء يجري ، فيتوضئون . فأثنى الله بذلك عليهم ، فقال : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا . . . الآية .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، قال : أحدث قوم الوضوء بالماء من أهل قباء ، فنزلت فيهم : فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا وَاللّهُ يُحِبّ المُطّهّرِينَ .
وقيل : وَاللّهُ يُحِبّ المُطّهّرِينَ وإنما هو المتطهرين ، ولكن أدغمت التاء في الطاء ، فجعلت طاء مشددة لقرب مخرج إحداهما من الأخرى .
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت { لا تقم فيه أبداً } كان لا يمر بالطريق التي فيها المسجد ، وهذا النهي إنما هو لأن البانين لمسجد الضرار قد كانوا خادعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : بنينا مسجداً للضرورات والسيل الحائل بيننا وبين قومنا فنريد أن تصلي لنا فهو وتدعو بالبركة ، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشي معهم إلى ذلك ، واستدعى قميصه لينهض فنزلت الآية { لا تقم فيه أبداً } وقوله : { لمسجد } قيل إن اللام لام قسم ، وقيل هي لام الابتداء كما تقول : لزيد أحسن الناس فعلاً ، وهي مقتضية تأكيداً ، وقال ابن عباس وفرقة من الصحابة والتابعين : المراد «بالمسجد الذي أسس على التقوى » هو مسجد قباء .
وروي عن عمر وأبي سعيد وزيد بن ثابت أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، ويليق القول الأول بالقصة ، إلا أن القول الثاني روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نظر مع الحديث ، وأسند الطبري في ذلك عن أبي سعيد الخدري أنه قال : اختلف رجل من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف فقال الخدري : هو مسجد الرسول وقال الآخر : هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال : هو مسجدي هذا ، وفي الآخر خير كثير{[5898]} إلى كثير من الآثار في هذا عن أبي بن كعب وسهل بن سعد .
قال القاضي أبو محمد : ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان في بقعته نخل وقبور مشركين ومربد{[5899]} ليتيمين كانا في حجر أسعد بن زرارة ، وبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، الأولى بالسميط{[5900]} وهي لبنة أمام لبنة ، والثانية بالصعيدة{[5901]} ، وهي لبنة ونصف في عرض الحائط ، والثالثة بالأنثى والذكر ، وهي لبنتان تعرض عليهما لبنتان ، وكان في طوله سبعون ذراعاً وكان عمده النخل ، وكان عريشاً يكف المطر ، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيانه ورفعه فقال : لا بل يكون عريشاً كعريش أخي موسى كان إذا قام ضرب رأسه في سقفه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل فيه اللبن على صدره ، ويقال إن أول من وضع في أساسه حجراً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم وضع أبو بكر حجراً ، ثم وضع عمر حجراً ، ثم وضع عثمان حجراً ، ثم رمى الناس بالحجارة فتفاءل بذلك بعض الصحابة في أنها الخلافة فصدق فأله ، قوله : { من أول يوم } قيل معناه منذ أول يوم ، وقيل معناه من تأسيس أول يوم ، وإنما دعا إلى هذا الاختلاف أن من أصول النحويين أن «من » لا ُتَجُّر بها الأزمان ، وإنما ُتَجُّر الأزمان بمنذ ، تقول ما رأيته منذ يومين أو سنة أو يوم ، ولا تقول من شهر ولا من سنة ولا من يوم ، فإذا وقعت «من » من الكلام وهي تلي زمناً{[5902]} فيقدر مضمر يليق أن تجره «من » كقول الشاعر : [ زهير بن أبي سلمى ]
لمن الديار كقنة الحجر*** أقوين من حجج ومن دهر{[5903]}
ومن شهر رواية ، فقدروه من مر حجج ومن مر دهر ، ولما كان «أول يوم » يوماً وهو اسم زمان احتاجوا فيه إلى تقدير من تأسيس{[5904]} ، ويحسن عندي أن يستغنى في هذه الآية عن تقدير وأن تكون «من » تجر لفظة «أول » لأنها بمعنى البدأة كأنه قال من مبتدأ الأيام ، وهي هاهنا تقوم المر في البيت المتقدم ، وهي كما تقول جئت من قبلك ومن بعدك وأنت لا تدل بهاتين اللفظتين إلا على الزمن ، وقد حكي لي هذا الذي اخترته عن بعض أئمة النحو ، ومعنى { أن تقوم فيه } أي بصلاتك وعبادتك ، وقرأ جمهور الناس «أن تقوم فيهِ فيهِ رجال » بكسر الهاء ، وقرأ عبد الله بن زيد «أن تقوم فيه فيهُ » بضم الهاء الثانية على الأصل ويحسنه تجنب تكرار لفظ واحد ، وقال قتادة وغيره : الضمير عائد على مسجد الرسول ، و «الرجال » جماعة الأنصار .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : «يا معشر الأنصار إني رأيت الله أثنى عليكم بالطهور فماذا تفعلون ؟ » فقالوا : يا رسول الله إنا رأينا جيراننا من اليهود يتطهرون بالماء .
قال القاضي أبو محمد : يريد الاستنجاء بالماء ، ففعلنا نحن ذلك فلما جاء الإسلام لم ندعه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فلا تدعوه أبداً »{[5905]} ، وقال عبد الله بن سلا م{[5906]} وغيره ما معناه : إن الضمير عائد على مسجد قباء والمراد بنو عمرو بن عوف .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما قال المقالة المتقدمة لبني عمرو بن عوف والأول أكثر واختلف أهل العلم في الأفضل بين الاستنجاء بالماء أو بالحجارة فقيل هذا وقيل هذا ، ورأت فرقة من أهل العلم الجمع بينهما فينقي بالحجارة ثم يتبع بالماء ، وحدثني أبي رضي الله عنه أنه بلغه أن بعض علماء القيروان كانوا يتخذون في متوضياتهم أحجاراً في تراب ينقون بها ، ثم يستنجون بالماء أخذاً بهذا القول .
قال القاضي أبو محمد : وإنما يتصور الخلاف في البلاد التي يمكن فيها أن تنقي الحجارة ، وابن حبيب لا يجيز الاستنجاء بالحجارة حيث يوجد الماء ، وهو قول شذ فيه ، وقرأ جمهور الناس «يتطهروا » وقرأ طلحة بن مصرف والأعمش «يطهروا » بالإدغام ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «المتطهرين » بالتاء ، وأسند الطبري عن عطاء أنه قال : أحدث قوم من أهل قباء الاستنجاء بالماء فنزلت الآية فيهم .