ثم قال تعالى : { وَمَا كَانَ لَهُ } أي : لإبليس { عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ } أي : تسلط وقهر ، وقسر على ما يريده منهم ، ولكن حكمة اللّه تعالى اقتضت تسليطه وتسويله لبني آدم .
{ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } أي : ليقوم سوق الامتحان ، ويعلم به الصادق من الكاذب ، ويعرف من كان إيمانه صحيحا ، يثبت عند الامتحان والاختبار ، وإلقاء الشبه الشيطانية ، ممن إيمانه غير ثابت ، يتزلزل بأدنى شبهة ، ويزول بأقل داع يدعوه إلى ضده ، فاللّه تعالى جعله امتحانا ، يمتحن به عباده ، ويظهر الخبيث من الطيب .
{ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } يحفظ العباد ، ويحفظ عليهم أعمالهم ، ويحفظ تعالى جزاءها ، فيوفيهم إياها ، كاملة موفرة .
وما كان لإبليس من سلطان قاهر عليهم لا يملكون رفعه . فليس هنالك قهر لهم منه ولا سيطرة عليهم له . إنما هو تسليطه عليهم ليثبت على الحق من يثبت ، وليزيغ منهم من لا يبتغي الحق ويتحراه . وليظهر في عالم الواقع ( من يؤمن بالآخرة )فيعصمه إيمانه من الانحراف ، ( ممن هو منها في شك ) . . فهو يتأرجح أو يستجيب للغواية . بلا عاصم من رقابة لله ولا تطلع لليوم الآخر .
والله يعلم ما يقع قبل ظهوره للناس . ولكنه سبحانه يرتب الجزاء على ظهوره ووقوعه فعلاً في دنيا الناس .
وفي هذا المجال الواسع المفتوح . مجال تقدير الله وتدبيره للأمور والأحداث . ومجال غواية إبليس للناس ، بلا سلطان قاهر عليهم ، إلا تسليطه ليظهر المكنون في علم الله من المصائر والنتائج . . في هذا المجال الواسع تتصل قصة سبأ بقصة كل قوم ، في كل مكان وفي كل زمان . ويتسع مجال النص القرآني ومجال هذا التعقيب ، فلا يعود قاصراً على قصة سبأ ، إنما يصلح تقريراً لحال البشر أجمعين . فهي قصة الغواية والهداية وملابساتهما وأسبابهما وغاياتهما ونتائجهما في كل حال .
فلا يند شيء ولا يغيب ، ولا يهمل شيء ولا يضيع . .
وهكذا تنتهي الجولة الثانية في السورة بالحديث عن الآخرة كما انتهت الجولة الأولى . وبالتركيز على علم الله وحفظه . وهما الموضوعان اللذان يشتد عليهما التركيز في السورة والتوكيد .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالاَخِرَةِ مِمّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكّ وَرَبّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } .
يقول تعالى ذكره : وما كان لإبليس على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم من حُجة يضلهم بها ، إلا بتسليطناه عليهم ، لُيعلم حزبُنا وأولياؤنا مَنْ يُؤْمِنُ بالاَخِرَةِ يقول : من يصدّق بالبعث والثواب والعقاب مِمّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكَ فلا يُوقِن بالمعاد ، ولا يصدّق بثواب ولا عقاب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ قال : قال الحسن : والله ما ضربهم بعصا ولا سَيف ولا سَوْط ، إلا أمانيّ وغرورا دعاهم إليها .
قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : إلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بالاَخِرَةِ مِمّنْ هُوَ مِنْها فِي شكّ قال : وإنما كان بلاءً ليَعلم الله الكافر من المؤمن .
وقيل : عُنِي بقوله : إلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بالاَخِرَةِ إلا لنعلم ذلك موجودا ظاهرا ليستحقّ به الثواب أو العقاب .
وقوله : وَرَبّكَ على كُلّ شَيْءٍ حَفِيظٌ يقول تعالى ذكره : وربك يا محمد على أعمال هؤلاء الكفرة به ، وغير ذلك من الأشياء كلها حَفِيظٌ لا يعزب عنه علم شيء منه ، وهو مُجازٍ جميعَهم يوم القيامة ، بمِا كسبوا في الدنيا من خير وشرّ .
{ وما كان له عليهم من سلطان } تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء . { إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك } إلا ليتعلق علمنا بذلك تعلقا يترتب عليه الجزاء ، أو ليتميز المؤمن من الشاك ، أو ليؤمن من قدر إيمانه ويشك من قدر ضلاله ، والمراد من حصول العلم حصول متعلقة مبالغة ، في نظم الصلتين نكتة لا تخفى . { وربك على كل شيء حفيظ } محافظ والزنتان متآخيتان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.