بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

قوله عز وجل : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سلطان } يعني : لم يكن له عليهم ملك فيقهرهم . ويقال : يعني ما سلطناه عليهم إلا لنختبرهم من الذي يطيعنا . وقال الحسن البصري رحمه الله : والله ما ضربهم بعصا ، ولا أكرههم على شيء ، وما كان إلا غروراً وأماني دعاهم إليها فأجابوه . وقال قتادة : والله ما كان ظنه إلا ظناً ، فنزل الناس عند ظنه . وقال معمر : قال لي مقاتل : إن إبليس لما أنزل آدم عليه السلام ظن أن في ذريته من سيكون أضعف منه . فصدق عليهم ظنه . فإن قيل في آية أخرى : { إِنَّمَا سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } [ النحل : 100 ] وهاهنا يقول : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سلطان } قيل له : أراد بالسلطان هناك الحجة يعني : إنما حجته على الذين يتولونه . وهاهنا أراد به الملك والقهر يعني : لم يكن له عليهم ملك يقهرهم به . ويقال : معنى الآيتين واحد . لأن هناك قال : إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا . وهاهنا قال : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سلطان } يعني : حجة على فريق من المؤمنين إلا بالتزيين والوسوسة منه .

{ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا في شَكّ } يعني : نميز من يصدق بالبعث ممن هو في شك . يعني : من قيام الساعة . وقال القتبي : علم الله نوعان : أحدهما علم ما يكون من إيمان المؤمنين . وكفر الكافرين من قبل أن يكون . وهذا علم لا يجب به حجة ، ولا عقوبة ، والآخر علم الأمور الظاهرة . فيحق به القول ، ويقع بوقوعها الجزاء . يعني : ما سلطانه عليهم إلا لنعلم إيمان المؤمنين ظاهراً موجوداً ، وكفر الكافرين ظاهراً موجوداً . وكذلك قوله : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصابرين } [ آل عمران : 142 ] الآية .

ثم قال عز وجل : { وَرَبُّكَ عَلَى كُلّ شيء حَفُيظٌ } يعني : عالماً بالشك واليقين . ويقال : عالم بقولهم . ويقال : عالم بما يكون منهم قبل كونه . ويقال : { حفيظ } يحفظ أعمالهم ليجازيهم .