اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

قوله : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ } هذا استثناء مفرغ من العلل العامة تقديره : وما كان له عليهم ( من سلطان ){[44517]} استيلاء لشيء من الأشياء إلا لهذا وهو تمييز المُحَقِّ من الشَّاكِّ{[44518]} .

قوله : «مِنْهَا » متعلق بمحذوف على معنى البيان أي أعني منها وبِسَبَبِها{[44519]} وقيل : «من » بمعنى «في » . وقيل : هو حال من «شَكَّ »{[44520]} . وقوله : «مَنْ يُؤْمِنُ » يجوز في «من » وجهان :

أحدهما : أنها استفهامية فتسُدّ{[44521]} مسدَّ مفعولي العلم كذا ذكر أبو البقاء{[44522]} وليس بظاهر ؛ لأن المعنى إلا لنُمَيِّزَ{[44523]} ويظهر للناس من يؤمن ممن لا يؤمن فعثر عن مقابله بقوله { مِمَّنْ هو مِنْهَا فِي شَكِّ } لأنه من نتائجه ولوازمه .

والثاني : أنها موصولة{[44524]} وهذا هو الظاهر على ما تقدم تفسيره .

فصل

قال ابن الخطيب : إن علم الله من الأزل إلى الأبد محيط بكل معلوم وعلمه لا يتغير وهو في كونه عالماً لا يتغير ولكن يتغير تعلق علمه فإنّ العلم صفة كاشفة يظهر فيها كل ما في نفس الأمر فعلم الله في الأزل أن العالمَ سَيُوجد فإذا وجد علمه موجوداً بذلك العلم وإذا عدم علمه{[44525]} مَعدوماً كذلك المرآة المصقولة الصافية يظهر فيها صورة زيد إن قابلها ثم إذا قابلها عمرو يظهر فيها صورته والمرآة لم تتغير في ذاتها ولا تبدلت في صفاتها وإنما التغيير في الخارجات فكذلك ههنا{[44526]} .

قوله : { إلاَّ لِنَعْلَمَ } أي ليقع في العلم صُدُور الكفر من الكافر ، والإيمان من المؤمن وكان علمه فيه أنْ سَيَكْفُرُ زَيْدٌ ويُؤْمِنُ عَمرو{[44527]} قال البغوي : المعنى{[44528]} إلا ليميز المؤمن من الكافر وأراد علم الوقوع والظهور وقد كان معلوماً عنده بالغيب{[44529]} . وقوله : { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } محقِّق ، ذلك أن الله تعالى قادر على منع إبليس منهم عالم بما سيقع فالحفظ يدخل في مفهومه العلم والقدرة إذ الجاهل بالشيء لا يمكنه حفظه ولا الجاهل{[44530]} .


[44517]:سقط من "أ" وزيادة من "ب".
[44518]:قاله السمين في الدر المصون 4/433.
[44519]:نقله في التبيان 1067 والبحر 7/273.
[44520]:التبيان 1067 والدر المصون 4/433 وقد جعلها أبو جعفر النحاس في كتابه إعراب القرآن: "زائدة" انظر تفسيره 3/344.
[44521]:في "ب" تسد بدون فاء.
[44522]:التبيان 1067 قال: "يجوز أن يكون بمعنى الذي فينتصب بنعلم وأن يكون استفهاميا في موضع بالابتداء".
[44523]:في "ب" ليميز بالياء...
[44524]:الدر المصون 4/433 وانظر المرجع السابق.
[44525]:في تفسيره "يعلمه".
[44526]:نقله في تفسيره الكبير 25/253 و 254.
[44527]:المرجع السابق.
[44528]:قاله في معالم التنزيل 5/290.
[44529]:المرجع السابق.
[44530]:في الفخر الرازي: "ولا العاجز" وهو الأصح انظر: الرازي 25/254.