قوله تعالى : { ولا تصعر خدك للناس } قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وعاصم ، وأبو جعفر ، ويعقوب : ولا تصعر بتشديد العين من غير ألف ، وقرأ الآخرون : تصاعر بالألف ، يقال : صعر وجهه وصاعر : إذا مال وأعرض تكبراً ، ورجل أصعر : أي : مائل العنق . قال ابن عباس : يقول : لا تتكبر فتحقر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك . وقال مجاهد : هو الرجل يكون بينك وبينه إحنة فتلقاه فيعرض عنك بوجهه . وقال عكرمة : هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه تكبراً . وقال الربيع بن أنس وقتادة : ولا تحقرن الفقراء ليكن الفقر والغني عندك سواء ، { ولا تمش في الأرض مرحاً } خيلاء تكبرا{ إن الله لا يحب كل مختال } في مشيه { فخور } على الناس .
{ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } أي : لا تُمِلْهُ وتعبس بوجهك الناس ، تكبُّرًا عليهم ، وتعاظما .
{ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا } أي : بطرا ، فخرا بالنعم ، ناسيا المنعم ، معجبا بنفسك . { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ }{[669]} في نفسه وهيئته وتعاظمه { فَخُور } بقوله .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تُصَعّرْ خَدّكَ لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } .
اختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَلا تُصَعّرْ فقرأه بعض قراء الكوفة والمدنيين والكوفيين : ولا تصعر على مثال تفعل . وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة : «وَلا تُصَاعِرْ » على مثال تفاعل .
والصواب من القول في ذلك أن يقال إنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وتأويل الكلام : ولا تعرض بوجهك عمن كلمته تكبرا واستحقارا لمن تكلمه وأصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها ، فيشبه به الرجل المتكبر على الناس ، ومنه قول عمرو بن حُنَيَ الثّعلبِيّ :
وكُنّا إذَا الجَبّارُ صَعّرَ خَدّهُ *** أقَمْنا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوّما
واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس يقول : ولا تتكبر فتحقر عباد الله ، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ يقول : لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلا تُصَعّرْ قال : الصدود والإعراض بالوجه عن الناس .
حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن جعفر بن برقان ، عن يزيد في هذه الاَية وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال : إذا كلمك الإنسان لويت وجهك ، وأعرضت عنه محقرة له .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا خالد بن حيان الرقي ، عن جعفر بن ميمون بن مهران ، قال : هو الرجل يكلم الرجل فيلوي وجهه .
حدثنا عبد الرحمن بن الأسود ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، قال : حدثنا أبو مكين ، عن عكرمة ، في قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال : لا تُعْرض بوجهك .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس يقول : لا تعرض عن الناس ، يقول : أقبل على الناس بوجهك وحسن خلقك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال : تصعير الخدّ : التجبر والتكبر على الناس ومحقرتهم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي مكين ، عن عكرمة ، قال : الإعراض .
وقال آخرون : إنما نهاه عن ذلك أن يفعله لمن بينه وبينه صعر ، لا على وجه التكبر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال : الرجل يكون بينه وبين أخيه الحنة ، فيراه فيعرض عنه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس قال : هو الرجل بينه وبين أخيه حنة فيعرض عنه .
وقال آخرون : هو التشديق . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن جعفر الرازي ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : هو التشديق .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : هو التشديق أو التشدّق «الطبري يشكّ » .
حدثنا يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن إبراهيم بمثله .
وقوله وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا يقول : ولا تمش في الأرض مختالاً . كما :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول فِي قوله وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا يقول : بالخيلاء .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ ولا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ مُخْتالٍ فَخُورٍ قال : نهاه عن التكبر .
وقوله إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ مُخْتالٍ متكبر ذي فخر . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : كُلّ مُخْتالٍ فَخُورٍ قال : متكبر . وقوله : فخور : قال : يعدّد ما أعطى الله ، وهو لا يشكر الله .
{ ولا تصعر خدك للناس } لا تمله عنهم ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون من الصعر وهو داء يعتري البعير فيلوي عنقه . وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي " ولا تصاعر " ، وقرئ " ولا تصعر " والكل واحد مثل علاه وأعلاه وعالاه . { ولا تمش في الأرض مرحا } أي فرحا مصدر وقع موقع الحال أي تمرح مرحا أو لأجل المرح وهو البطر . { إن الله لا يحب كل مختال فخور } علة للنهي وتأخير ال{ فخور } وهو مقابل للمصعر خده والمختال للماشي مرحا لتوافق رؤوس الآي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.