قوله تعالى : { وأن هذا } ، أي : هذا الذي وصيتكم به في هاتين الآيتين .
قوله تعالى : { صراطي } ، طريقي وديني .
قوله تعالى : { مستقيماً } ، مستوياً ، قويماً .
قوله تعالى : { فاتبعوه } ، قرأ حمزة والكسائي و( إن ) بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ الآخرون : بفتح الألف ، قال الفراء : والمعنى وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيماً . وقرأ ابن عامر ويعقوب : بسكون النون .
قوله تعالى : { ولا تتبعوا السبل } ، أي : الطرق المختلفة التي عدا هذا الطريق ، مثل اليهودية والنصرانية ، وسائر الملل ، وقيل : الأهواء والبدع .
قوله تعالى : { فتفرق } ، فتميل .
قوله تعالى : { بكم } ، وتشتت .
قوله تعالى : { عن سبيله } ، عن طريقه ودينه الذي ارتضى ، وبه أوصى .
قوله تعالى : { ذلكم } ، الذي ذكرنا .
قوله تعالى : { وصاكم به لعلكم تتقون } .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الراني المعروف بأبي بكر بن أبي الهيثم ، أخبرنا الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي ، ثنا أبو بكر بن يحيى بن خالد ، ثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، ثنا عبد الرحمن ابن مهدي ، عن حماد بن زيد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ، وقال : هذه سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ : { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه } الآية .
ولما بين كثيرا من الأوامر الكبار ، والشرائع المهمة ، أشار إليها وإلى ما هو أعم منها فقال : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا } أي : هذه الأحكام وما أشبهها ، مما بينه الله في كتابه ، ووضحه لعباده ، صراط الله الموصل إليه ، وإلى دار كرامته ، المعتدل السهل المختصر .
{ فَاتَّبِعُوهُ } لتنالوا الفوز والفلاح ، وتدركوا الآمال والأفراح . { وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ } أي : الطرق المخالفة لهذا الطريق { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } أي : تضلكم عنه وتفرقكم يمينا وشمالا ، فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم ، فليس ثم إلا طرق توصل إلى الجحيم .
{ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فإنكم إذا قمتم بما بينه الله لكم علما وعملا صرتم من المتقين ، وعباد الله المفلحين ، ووحد الصراط وأضافه إليه لأنه سبيل واحد موصل إليه ، والله هو المعين للسالكين على سلوكه .
أما الوصية العاشرة فهى قوله - تعالى - فى الآية الثالثة من هذه الآيات : { وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } .
قرأة الجمهور بفتح همزة { أَنَّ } وتشديد النون . ومحلها مع ما فى حيزها الجر بحذف لام العلة . أى : ولأن هذا الذى وصيتكم به من الأوامر والنواهى طريقى ودينى الذى لا اعوجاج فيه ، فمن الواجب عليكم أن تتبعوه وتعملوا به .
ويحتمل أن يكون محلها مع ما فى حيزها النصب على { مَا حَرَّمَ } أى : وأتلوا عليكم أن هذا صراطى مستقيما .
وقرأ حمزة والكسائى " إن " بكسر الهمزة على الاستئناف .
وقوله { وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل } يعنى الأديان الباطلة ، والبدع والضلالات الفاسدة { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } أى : فتفرقكم عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام الذى ارتضاه لكم .
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - قال : " خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ { وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً } " .
وقد أفرد - سبحانه - الصراط المستقيم وهو سبيل الله ، وجمع السبل المخالفة له لأن الحق واحد والباطل ما خالفه وهو كثير فيشمل الأديان الباطلة ، والبدع الفاسدة ، والشبهات الزائفة ، والفرق الضالة وغيرها .
ثم ختمت الآية بقوله - تعالى - { ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أى : ذلكم المذكور من اتباع سبيله - تعالى - وترك اتباع السبل وصاكم الله به لعلكم تتقون اتباع سبل الكفر والضلالة ، وتعملون بما جاءكم به هذا الدين .
قال أبو حيان : ولما كانت الخمسة المذكورة فى الآية الأولى من الأمور الظاهرة الجلية مما يجب تعلقها وتفهمها ختمت الآية بقوله { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ، ولما كانت الأربعة المذكورة فى الآية الثانة خافية غامضة ولا بد فيها من الاجتهاد والتفكر حتى يقف الإنسان فيها على موضع الاعتدال ختمت بقوله : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف ، وأمر - سبحانه - باتباعه ونهى عن اتباع السبل المختلفة ختم ذلك بالتقوى التى هى اتقاء النار ، إذ من اتبع صراطه نجا النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية " .
وبعد : فهذه هى الوصايا العشر التى جاءت بها هذه الآيات الكريمة ، والمتأمل فيها يراها قد وضعت أساس العقيدة السليمة فى توحيد الله - تعالى - وبنت الأسرة الفاضلة على أساس الإحسان بالوالدين والرحمة بالأبناء ، وحفظت المجتمع من التصدع عن طريق تحريمها لانتهاك الأنفس والأموال والأعراض ، ثم ربطت كل ذلك بتقوى الله التى هى منبع كل خير وسبيل كل فلاح .
فأين المسلمون اليوم من هذه الوصايا ؟ إنهم لو عملوا بها لعزوا فى دنياهم ولسعدوا فى أخراهم ، فهل تراهم فاعلون ؟
الإشارة هي إلى الشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بجملته ، وقال الطبري : الإشارة هي إلى هذه الوصايا التي تقدمت من قوله { قل تعالوا أتل } [ الأنعام : 151 ] قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو «وأنّ هذا » بفتح الهمزة وتشديد النون «صراطي » ساكن الياء وقرأ حمزة والكسائي «وإنّ » بكسر الألف وتشديد النون ، وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق وابن عامر من السبعة «وأنْ » بفتح الهمزة وسكون النون «صراطيَ » مفتوح الياء ، فأما من فتح الألف فالمعنى عنده كأنه قال : ولأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه{[5156]} ، أي اتبعوه لكونه كذا ، وتكون الواو على هذا إنما عطفت جملة ، ويصح غير هذا أن يعطف على { أن لا تشركوا } وكأن المحرم من هذا إتباع السبيل والتنكيب عن الصراط الأقوم ، ومن قرأ بتخفيف النون عطف على قوله { أن لا تشركوا } ومذهب سيبويه أنها المخففة من الثقيلة ، وأن التقدير وأنه هذا صراطي ، ومن قرأ بكسر الألف وتشديد النون فكأنه استأنف الكلام وقطعه من الأول ، وفي مصحف ابن مسعود «وهذا صراطي » بحذف أن ، وقال ابن مسعود إن الله جعل طريقاً صراطاً مستقيماً طرفه محمد عليه السلام وشرعه ونهايته الجنة ، وتتشعب منه طرق فمن سلك الجادة نجا ومن خرج إلى تلك الطرق أفضت به إلى النار{[5157]} وقال أيضاً خط لنا الرسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطاً ، فقال : هذا سبيل الله ، ثم خط عن يمين ذلك الخط وعن شماله خطوطاً فقال : هذه سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها ، ثم قرأ هذه الآية{[5158]} .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذه الآية تعم أهل الأهواء والبدع والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد وتقدم القول في { ذلك وصاكم } ، وفي قوله { لعلكم } ومن حيث كانت المحرمات الأول لا يقع فيها عاقل قد نظر بعقله جاءت العبارة لعلكم تعقلون ، والمحرمات الأخر شهوات وقد يقع فيها من العقلاء من لم يتذكر ، وركوب الجادة الكاملة يتضمن فعل الفضائل ، وتلك درجة التقوى .