الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

قوله سبحانه : { وَأَنَّ هذا صراطي مُسْتَقِيمًا فاتبعوه }[ الأنعام :153 ] . الإشارة ب { هذا } هي إلى الشرعِ الذي جَاءَ بِهِ نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وقال الطبريُّ : الإشارة هي إلى هذه الوصايا التي تقدَّمت مِنْ قوله : { قُلْ تَعَالَوْاْ } ، وقال ابن مسعود : إن اللَّه سبحانه جَعَلَ طريقه صراطاً مستقيماً طرقه محمَّد صلى الله عليه وسلم وشرعه ، ونهايتُه الجنَّة ، وتتشعَّب منه طُرُقٌ ، فمن سَلَك الجادَّة نجا ، ومن خَرَج إلى تلْكَ الطرُقِ أفْضَتْ به إلى النَّار ، وقال أيضاً : خطَّ لنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً خطًّا ، فَقَالَ : ( هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ) ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِ ذَلِكَ وَعَنْ شِمَالِهِ خُطُوطاً ، فَقَالَ : ( هَذِهِ سُبُلٌ على كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إلَيْهَا ) ثم قرأ هذه الآية .

قال ( ع ) : وهذه الآية تعمُّ أهل الأهواء والبِدَع والشُّذُوذ في الفُرُوع وغير ذلك من أهل التعمُّق في الجَدَلِ ، والخَوْضِ في الكلامِ ، هذه كلُّها عُرْضَة للزَّلَل ، ومَظِنَّة لسوء المعتقَدِ ، و{ لَعَلَّكُمْ } ترجٍّ بحسبنا ، ومن حيث كانَتِ المحرَّمات الأوَلُ لا يقع فيها عاقلٌ قد نظر بعَقْله ، جَاءَتِ العبارةُ : { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ، والمحرَّمات الأُخَرُ شهواتٌ ، وقد يقع فيها من العقلاءِ مَنْ لم يتذكَّر ، وركوبُ الجادَّة الكاملة يتضمَّن فعل الفضائلِ ، وتلك درجةُ التقوى .