قوله { وَأَنَّ هَذَا } قرأ الأخوان بكسر " إن " على الاستئناف و " فاتبعوه " جملة معطوفة على الجملة قبلها . وهذه الجملة الاتئنافية تفيد التعليل لقوله " فاتبعوه " ، ولذلك استشهد بها الزمخشري على ذلك كما تقدَّم ، فعلى هذا يكون الكلام في الفاء في " فاتَّبِعوه " كالكلام فيها في قراءة غيرهما وستأتي .
وقرأ ابن عامر " وأَنْ " بفتح الهمزة وتخفيف النون ، والباقون بالفتح أيضاً والتشديد . فأمَّا قراءة الجماعة ففيها أربعة أوجه ، أحدها : وهو الظاهر أنها في محل نصب نَسَقاً على ما حرَّم أي : أتل ما حرم وأتل أنْ هذا صراطي ، والمراد بالمتكلم النبي صلى الله عليه وسلم لأنَّ صراطه صراط لله عز وجل ، وهذا قول الفراء قال : " بفتح " أن " مع وقوع " أتلُ " عليها يعني : أتل عليكم أنَّ هذا صراطي مستقيماً . والثاني : أنها منصوبة المحل أيضاً نسقاً على " أن لا تشركوا " إذا قلنا بأنَّ " أَنْ " المصدرية وأنها وما بعدها بدل من " ما حَرَّم " قاله الحوفي .
الثالث : أنها على إسقاط لام العلة أي : ولأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبِعوه كقوله تعالى : *** { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ } [ الجن : 14 ] قال أبو علي : " من فتح " أنَّ " فقياس قول سيبويه أنَّه حَمَلها على " فاتَّبعوه " والتقدير : ولأن هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه كقوله : { وَأنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ المؤمنون : 52 ] . قال سيبويه : " ولأن هذه أمتكم " وقال في قوله تعالى : " وأن المساجد لله " : ولأن المساجد " . قال بعضهم : وقد صرَّح بهذه اللام في نظير هذا التركيب كقوله تعالى : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ . . . فَلْيَعْبُدُواْ }
[ قريش : 1 ] ، والفاء على هذا كهي في قولك : زيداً فاضرب ، وبزيد فامرر . وقد تقدم تقريره في البقرة . قال الفارسي : " قياس قول سيبويه في فتح الهمزة أن تكون الفاء زائدة كهي في " زيد فقائم " قلت : سيبويه لا يجوِّز زيادتها في مثل هذا الخبر ، وإنما أراد أبو علي بنظيرها في مجرد الزيادة وإن لم يَقُلْ به ، بل قال به غيرُه . الرابع : أنها في محل جر نسقاً على الضمير المجرور في " به " أي : ذلكم وصَّاكم به وبأن هذا ، وهو قول الفراء أيضاً . وردَّه أبو البقاء بوجهين أحدهما : العطف على الضمير المجرور من غير إعادةِ الجار . والثاني : أنه يصير المعنى : وَصَّاكم باستقامة الصراط وهذا فاسدٌ " . قلت : والوجهان مردودان ، أمَّا الأول فليس هذا من باب العطف على المضمر من غير إعادة الجار لأن الجارَّ هنا في قوة المنطوق به ، وإنما حُذِفَ لأنه يَطَّرد حَذْفُه مع أنَّ وأنْ لطولهما بالصلة ، ولذلك كان مذهب الجمهور أنها في محل جر بعد حذفه لأنه كالموجود ، ويدل على ما قلته ما قال الحوفي قال : " حُذِفت الباء لطول الصلة وهي مرادة ، ولا يكون في هذا عَطْفُ مُظْهَرٍ على مضمر لإِرادتها " . وأمَّا الثاني فالمعنى صحيح غير فاسد ؛ لأن معنى توصيتنا باستقامة الصراط أن لا نتعاطى ما يُخْرِجنا عن الصراط ، فوصيتنا باستقامته مبالغة في اتباعه .
وأمَّا قراءةُ ابنِ عامر فقالوا : " أنْ " فيها مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الأمر والشأن أي : " وأنَّه " كقوله تعالى : { أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ } [ يونس : 10 ] وقوله :
. . . . . . . . . . . . . . . *** أنْ هالكٌ كلُّ مَنْ يَْحفَى ويَنْتَعِلُ
وحينئذٍ ففيها أربعةُ الأوجه المذكورة في المشددة . و " مستقيماً " حال ، العامل : إمَّا " ها " التنبيه ، وإمَّا اسم الإِشارة ، وفي مصحف عبد الله " وهذا صراطي " بدون " أنَّ " وهي قراءة الأعمش ، وبها تتأيَّد قراءةُ الكسر المؤذنة بالاستئناف .
قوله : { فَتَفَرَّقَ } منصوب بإضمار " أن " بعد الفاء في جواب النهي والجمهور على " فتفرق " بتاء خفيفة ، والبزي بتشديدها ، فَمَنْ خَفَّف حذف إحدى التاءين ، ومَنْ شدَّد أدغم ، وتقدم هذا آنفاً في { تَتَذَكَّرُونَ }
[ الأنعام : 80 ] . و " بكم " يجوز أن تكون مفعولاً به في المعنى أي : فيفرقكم ، ويجوز أن تكون حالاً أي : وأنتم معها كقوله :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** تَدُوس بنا الجماجمَ والتَّرِيبا
وختم هذه بالتقوى وهي اتقاء النار لمناسبة الأمر باتباع الصراط ، فإنَّ مَنْ اتَّبعه وقى نفسه من النار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.