الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

وقرىء : «وأَنْ هذا صراطي مستقيماً » بتخفيف «أن » وأصله : وأنه هذا صراطي ، على أن الهاء ضمير الشأن والحديث . وقرأ الأعمش : «وهذا صراطي » . وفي مصحف عبد الله : «هذا صراط ربكم » . وفي مصحف أبيّ : «وهذا صراط ربك » { وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل } الطرق المختلفة في الدين ، من اليهودية والنصرانية ، والمجوسية ، وسائر البدع والضلالات { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ } فتفرقكم أيادي سبا { عَن سَبِيلِهِ } عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام . وقرىء : «فَتَّفَرَّقَ » بإدغام التاء . وروى أبو وائل عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أنه خط خطاً ثم قال : هذا سبيل الرشد ، ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطاً ثم قال : هذه سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، ثم تلا هذه الآية " { وَأَنَّ هذا صراطي مُسْتَقِيمًا فاتبعوه } وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هذه الآيات محكمات لم ينسخهنّ شيء من جميع الكتب . وقيل : إنهنّ أمّ الكتاب ، من عمل بهنّ دخل الجنة ، ومن تركهنّ دخل النار ، وعن كعب الأحبار : والذي نفس كعب بيده إنّ هذه الآيات لأول شيء في التوراة .

فإن قلت : علام عطف قوله : { ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الكتاب } قلت : على { وصاكم بِهِ } .

فإن قلت : كيف صحّ عطفه عليه بثم - والإيتاء قبل التوصية بدهر طويل- ؟ قلت : هذه التوصية قديمة ، لم تزل توصاها كل أمّة على لسان نبيهم ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : محكمات لم ينسخهنّ شيء من جميع الكتاب ، فكأنه قيل : ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديماً وحديثاً .