إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

{ وَأَنَّ هذا صراطي } إشارةٌ إلى ما ذكر في الآيتين من الأمر والنهي ، قاله مقاتل وقيل : إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في إثبات التوحيدِ والنبوة وبيانِ الشريعة ، وقرئ صراطيَ بفتح الياء ، ومعنى إضافتِه إلى ضميره عليه الصلاة والسلام انتسابُه إليه عليه الصلاة والسلام من حيث السلوكُ لا من حيث الوضعُ كما في صراط الله ، والمرادُ بيانُ أن ما فُصِّل من الأوامر والنواهي غيرُ مختصةٍ بالمتلو عليهم بل متعلقةٌ به عليه الصلاة والسلام أيضاً وأنه صلى الله عليه وسلم مستمرٌّ على العمل بها ومراعاتِها وقوله تعالى : { مُسْتَقِيماً } حالٌ مؤكدةٌ ، ومحل أن مع ما في حيزها الجرُّ بحذف لام العلة أي ولأن هذا صراطي أي مسلكي مستقيماً { فاتّبعوه } كقوله تعالى : { وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ الله أَحَداً } [ الجن ، الآية 18 ] وتعليلُ إتباعِه بكونه صراطَه عليه الصلاة والسلام لا بكونه صراطَ الله تعالى ، مع أنه في نفسه كذلك من حيث سلوكُه صلى الله عليه وسلم ، فيه داعٍ للخلق إلى الاتّباع إذ بذلك يتضح عندهم كونُه صراطَ الله عز وجل ، وقرئ بكسر الهمزة على الاستئناف ، وقرئ أنْ هذا مخففةً من أنّ ، على أن اسمَها الذي هو ضميرُ الشأنِ محذوفٌ وقرئ صراطي وقرئ هذا صراطي وقرئ وهذا صراطُ ربِّكم وهذا صراطُ ربِّك { وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُل } الأديانَ المختلفةَ أو طرقَ البدع والضلالات { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ } بحذف إحدى التاءين ، والباء للتعدية أي فتفرِّقَكم حسَبَ تفرُّقِها أياديَ سبا فهو كما ترى أبلغُ من تفرقكم كما قيل من أن ذهَبَ به ، لما فيه من الدلالة على الاستصحاب ، أبلغُ من أذهبه { عَن سَبِيلِهِ } أي سبيل الله الذي لا عِوَجَ فيه ولا حرج ، وهو دين الإسلام الذي ذُكر بعضُ أحكامه وقيل : هو اتباعُ الوحي واقتفاءُ البرهان ، وفيه تنبيهٌ على أن صراطَه عليه الصلاة والسلام عينُ سبيل الله تعالى { ذلكم } إشارةٌ إلى ما مر من اتباع سبيلِه تعالى وتركِ اتباعِ سائر السبل { وصّاكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } اتباعَ سبُلِ الكفر والضلالة .