فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (153)

{ وأن } بالفتح على تقدير { اتل } قاله الفراء والكسائي ، وقيل على تقدير الباء وقيل على تقدير اللام ، قاله الخليل وسيبويه كما في قوله سبحانه { وأن المساجد لله } وبالكسر استئناف { هذا } أي الذي ذكر في الآيات من الأوامر والنواهي ، قاله مقاتل ، وقيل الإشارة إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة .

{ صراطي } وفي مصحف ابن مسعود وهذا صراط ربكم وفي مصحف أبي ربك ، والصراط الطريق وهو طريق دين الإسلام { مستقيما } مستويا لا اعوجاج فيه ، وقد تشعبت منه طرق فمن سلك الجادة نجا ، ومن خرج إلى تلك الطرق أفضت به إلى النار { فاتبعوه } أمرهم باتباع جملته وتفصيله .

{ ولا تتبعوا السبل } نهاهم عن ابتاع سائر السبل أي الأديان المتباينة طرقها والأهواء المضلة ، والبدع المختلدة { فتفرق بكم عن سبيله } أي فتميل بكم عن سبيل الله المستقيم الذي هو دين الإسلام ، قال ابن عطية : وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام ، وهذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد .

قال قتادة : اعلموا أن السبيل سبيل واحد جماعة الهدى ومصيره الجنة ، وأن إبليس استبدع سبلا متفرقة جماعة الضلالة ومصيرها إلى النار .

وأخرج أحمد وابن حميد والبراز والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال : ( هذا سبيل الله مستقيما ، ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ هذه الآية ) {[725]} .

وقال ابن عباس : السبل الضلالات{[726]} وعنه هذه الآيات محكمات في جميع الكتب لم ينسخهن شيء وهن محرمات على بني آدم كلهم ، وهن أم الكتاب ، ومن عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار ، وقال ابن مسعود : من سره أن ينظر إلى الصحفية التي عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ هؤلاء الآيات ، أخرجه الترمذي وحسنه .

{ ذلكم } أي ما تقدم ذكره { وصاكم } أكد عليكم الوصية { به لعلكم تتقون } ما نهاكم عنه من الطرق المختلفة والسبل المضلة .


[725]:المستدرك كتاب التفسير 2/239.
[726]:رواه الإمام أحمد 4/182 و 4/183 والحاكم 1/73.