المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

199- وقد كان قوم من العرب - وهم قريش - لا يقفون مع الناس في عرفات مع علمهم أنه موقف أبيهم إبراهيم ، وذلك ترفعاً أن يساووا غيرهم وهم أهل بيت الله وقطان حرمه ، وزعماً منهم أن ذلك تعظيم للحرم الذي لا يريدون الخروج منه إلى عرفات ، وهي من الحلال لا من الحرام ، فطالبهم الله بأن يقلعوا عن عادات الجاهلية ويقفوا بعرفات ويصدروا عنها كما يصدر جمهور الناس ، فلا فضل لأحد على الآخر في أداء العبادة ، وعليهم أن يستغفروا الله في هذه المواطن المباركة فذلك أدعى أن يغفر الله لهم ما فرط منهم من الذنوب والآثام ويرحمهم بفضله .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

قوله تعالى : { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } . قال أهل التفسير ، كانت قريش وحلفاؤها ومن دان بدينها ، وهم الحمس ، يقفون بالمزدلفة ويقولون : نحن أهل الله ، وقطان حرمه ، فلا نخلف الحرم ولا نخرج منه ، ويتعظمون أن يقفوا مع سائر العرب بعرفات ، وسائر الناس كانوا يقفون بعرفات ، فإذا أفاض الناس من عرفات أفاض الحمس من المزدلفة ، فأمرهم الله أن يقفوا بعرفات ، ويفيضوا منها إلى جمع مع سائر الناس ، وأخبرهم أنه سنة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، وقال بعضهم : خاطب به جميع المسلمين . وقوله تعالى ( من حيث أفاض الناس ) من جمع ، أي ثم أفيضوا من جمع إلى منى ، وقالوا : لأن الإفاضة من عرفات قبل الإفاضة من جمع ، فيكف يسوغ أن يقول : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله ثم أفيضوا من عرفات ، والأول قول أكثر أهل التفسير ، وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره : فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ، ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام . وقيل : ثم بمعنى الواو أي " وأفيضوا " كقوله تعالى : ( ثم كان من الذين آمنوا ) وأما الناس فهم العرب كلهم غير الحمس . وقال الكلبي : هم أهل اليمن وربيعة ، وقال الضحاك : الناس هاهنا إبراهيم عليه السلام وحده كقوله تعالى ( أم يحسدون الناس ) وأراد محمداً صلى الله عليه وسلم وحده . ويقال هذا الذي يقتدي به ويكون لسان قومه . وقال الزهري : الناس هاهنا آدم عليه السلام وحده دليله قراءة سعيد بن جبير " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " بالياء ويقال : هو آدم نسي عهد الله حين أكل من الشجرة .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : سئل أسامة وأنا جالس كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حين دفع ؟ قال : كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص ، قال هشام : والنص فوق العنق .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا إبراهيم بن سويد ، حدثني عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، قال : أخبرني سعيد بن جبير مولى واثلة الكوفي ، حدثني ابن عباس أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجراً شديداً وضرباً للإبل ، فأشار بسوطه إليهم وقال : يا أيها الناس ، عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع .

قوله تعالى : { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

{ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } أي : ثم أفيضوا من مزدلفة من حيث أفاض الناس ، من لدن إبراهيم عليه السلام إلى الآن ، والمقصود من هذه الإفاضة كان معروفا عندهم ، وهو رمي الجمار ، وذبح الهدايا ، والطواف ، والسعي ، والمبيت ب " منى " ليالي التشريق وتكميل باقي المناسك .

ولما كانت [ هذه ] الإفاضة ، يقصد بها ما ذكر ، والمذكورات آخر المناسك ، أمر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره ، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد ، في أداء عبادته وتقصيره فيها ، وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة .

وهكذا ينبغي للعبد ، كلما فرغ من عبادة ، أن يستغفر الله عن التقصير ، ويشكره على التوفيق ، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة ، ومن بها على ربه ، وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة ، فهذا حقيق بالمقت ، ورد الفعل ، كما أن الأول ، حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

وبعد أن تحدث - سبحانه - عن الإِفاضة من عرفة إلى المزدلفة وأمر بالإِكثار من ذكره ، عقب ذلك ببيان الطريقة المثلى للإِفاضة فقال : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس واستغفروا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } :

أي : أفيضوا من عرفة لا من المزدلفة .

وهناك قولان في المخاطب بهذه الآية . .

أحدهما : أن الخطاب فيها لقريش وحلفائها ، وذلك لأنهم كانوا يترفعون على الناس ، فلا يقفون معهم على عرفات ، وإنما يقفون وحدهم بالمزدلفة ، وكانوا يقولون : نحن قطين الله - أي سكان حرمه فينبغي لنا أن نعظم الحرم - وهو المزدلفة - ولا نعظم شيئاً من الحل - وهو عرفات - .

روى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت ، كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة ، وكانوا يسمون الحمس ، وكان سائر العرب يقفون بعرفات ، فلما جاء الإِسلام أمر الله - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس } .

والمعنى : أفيضوا يا معشر قريش من المكان الذي يفيض منه الناس وهو عرفة ، واتركوا ما تفعلونه من الإِفاضة من المزدلفة ، فالمقصود إبطال ما كانت تفعله قريش .

والثاني : أن الخطاب في الآية لجميع الناس ، أمرهم الله - تعالى - فيه أن يفيضوا من حيث أفاض الناس .

والمراد بالناس في الآية إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام -فإن سنتهما كانت الإِفاضة من عرفة لا من المزدلفة .

قال بعضهم : وإيقاع اسم الجمع على الواحد جائز إذا كان رئيساً يقتدى به كما في قوله - تعالى - : { الذين قَالَ لَهُمُ الناس } يعني " نعيم بن مسعود " .

والذي نراه أن القول الثاني أولى بالقبول ، لأن المغزى الذي تهدف إليه الآية في معناها الخاص والعام هو دعوة الناس جميعاً إلى التجمع في مكان واحد ليشعروا بالإِخاء والمساواة عند أدائهم لفريضة الحج بدون تفرقة بين كبير وصغير ، وغني وفقير ، وقرشي وغير قرشي ، ويدخل في النهي دخولا أولياً تلبك الحالة التي كانت عليها قريش . وقد قال العلماء : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

و " ثم " للتفاوت المعنوي بين الإِفاضتين - إي الإِفاضة من عرفات والإِفاضة من مزدلفة - لبيان البعد بينهما ، إذ أن إحداهما صواب والأخرى خطأ .

أي : لا تفيضوا من المزدلفة لأنه خطأ جسيم ، واجعلوا أفاضتكم من عرفات لأن هذا العمل هو الصواب الذي يحبه الله ويرضاه .

وقوله : { واستغفروا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } معطوف على { أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس } أي : استغفروا الله من ذنوبكم ومما سلف منكم من أخطاء فإن المؤمن كلما قويت روحه ، وصفت نفسه أحس بأنه مقصر أمام نعم خالقه التي لا تحصى ، ومن أكثر من التوبة والاستغفار غفر الله له ما فرط منه ، لأنه - سبحانه - كثير الغفران ، واسع الرحمة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

189

والحج هو مؤتمر المسلمين الجامع ، الذي يتلاقون فيه مجردين من كل آصرة سوى آصرة الإسلام ، متجردين من كل سمة إلا سمة الإسلام ، عرايا من كل شيء إلا من ثوب غير مخيط يستر العورة ، ولا يميز فردا عن فرد ، ولا قبيلة عن قبيلة ، ولا جنسا عن جنس . . إن عقدة الإسلام هي وحدها العقدة ، ونسب الإسلام هو وحده النسب ، وصبغة الإسلام هي وحدها الصبغة . وقد كانت قريش في الجاهلية تسمي نفسها " الحمس " جمع أحمس ، ويتخذون لأنفسهم امتيازات تفرقهم عن سائر العرب . ومن هذه الامتيازات أنهم لا يقفون مع سائر الناس في عرفات ، ولا يفيضون - أي يرجعون - من حيث يفيض الناس . فجاءهم هذا الأمر ليردهم إلى المساواة التي أرادها الإسلام ، وإلى الاندماج الذي يلغي هذه الفوارق المصطنعة بين الناس :

( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، واستغفروا الله ، إن الله غفور رحيم ) . .

قال البخاري : حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت : " كان قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة ، وكانوا يسمون الحمس ، وسائر العرب يقفون بعرفات . فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه [ ص ] أن يأتي عرفات ، ثم يقف بها ثم يفيض منها . فذلك قوله : من حيث أفاض الناس " . .

قفوا معهم حيث وقفوا ، وانصرفوا معهم حيث انصرفوا . . إن الإسلام لا يعرف نسبا ، ولا يعرف طبقة . إن الناس كلهم أمة واحدة . سواسية كأسنان المشط ، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى . ولقد كلفهم الإسلام أن يتجردوا في الحج من كل ما يميزهم من الثياب ، ليلتقوا في بيت الله إخوانا متساوين . فلا يتجردوا من الثياب ليتخايلوا بالأنساب . . ودعوا عنكم عصبية الجاهلية ، وادخلوا في صبغة الإسلام . . واستغفروا الله . . استغفروه من تلك الكبرة الجاهلية . واستغفروه من كل ما مس الحج من مخالفات ولو يسيرة هجست في النفس ، أو نطق بها اللسان . مما نهى عنه من الرفث والفسوق والجدال .

وهكذا يقيم الإسلام سلوك المسلمين في الحج ، على أساس من التصور الذي هدى البشرية إليه . أساس المساواة ، وأساس الأمة الواحدة التي لا تفرقها طبقة ، ولا يفرقها جنس ، ولا تفرقها لغة ، ولا تفرقها سمة من سمات الأرض جميعا . . وهكذا يردهم إلى استغفار الله من كل ما يخالف عن هذا التصور النظيف الرفيع . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

" ثم " هاهنا لعطف خبر على خبر وترتيبه عليه ، كأنه تعالى أمر الواقف بعرفات أن يَدْفَع إلى المزدلفة ، ليذكر الله عند المشعر الحرام ، وأمره أن يكون وقوفه مع جمهور الناس بعرفات ، كما كان جمهور الناس يصنعون ، يقفون بها إلا قريشًا ، فإنهم لم يكونوا يخرجون من الحرم ، فيقفون في طرف الحرم عند أدنى الحِل{[3651]} ، ويقولون : نحن أهل الله في بلدته ، وقُطَّان بيته .

وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا محمد بن حازم ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة ، وكانوا يُسَمّون الحُمْس ، وكان{[3652]} سائر العرب يقفون بعرفات . فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يَأتَي عرفات ، ثم يقف بها ثم يُفيض

منها ، فذلك قوله : { مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ }{[3653]} .

وكذا قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم . واختاره ابن جرير ، وحكى عليه الإجماع ، رحمهم الله .

وقال الإمام أحمد ، حدثنا سُفْيان ، عن عمرو ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : أضللتُ بعيرًا لي بعرفة ، فذهبت أطلبه ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف ، قلت : إن هذا من الحمْس{[3654]} ما شأنه هاهنا ؟

أخرجاه في الصحيحين{[3655]} . ثم روى البخاري من حديث موسى بن عقبة ، عن كُرَيب ، عن ابن عباس ما يقتضي أن المراد بالإفاضة هاهنا هي الإفاضة من المزدلفة إلى منى لرمي الجمار{[3656]} . فالله أعلم . وحكاه ابنُ جرير ، عن الضحاك بن مزاحم فقط . قال : والمراد بالناس : إبراهيم ، عليه السلام . وفي رواية عنه : الإمام . قال ابن جرير{[3657]} ولولا إجماع الحجة على خلافه لكان هو الأرجح .

وقوله : { وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } كثيرًا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات ؛ ولهذا ثبت في صحيح مسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة يستغفر ثلاثًا . وفي الصحيحين أنَّه ندب إلى التسبيح والتحميد والتكبير ، ثلاثًا وثلاثين ، ثلاثًا وثلاثين{[3658]} .

وقد روى ابن جرير هاهنا حديث{[3659]} ابن عباس{[3660]} بن مرداس السلمي في استغفاره ، عليه السلام ، لأمته عَشِيَّةَ عرفة ، وقد أوردناه{[3661]} في جُزْء جمعناه في فضل يوم عرفة{[3662]} .

وأورد ابن مَرْدويه هاهنا الحديث الذي رواه البخاري ، عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي ، لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوءُ لك بنعمتك عَلَيّ ، وأبوء بذنبي ، فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . من قالها في ليلة فمات في ليلته دخل الجنة ، ومن قالها في يومه فمات دخل الجنة " {[3663]} .

وفي الصحيحين عن عبد الله بن عَمْرو : أن أبا بكر قال : يا رسول الله ، عَلمني دعاء أدعو به في صلاتي ؟ فقال : " قل : اللهمّ إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مَغْفِرةً من عندك وارحمني ، إنَّك أنت الغفور الرحيم " {[3664]} .

والأحاديث في الاستغفار كثيرة .


[3651]:في أ: "الجبل".
[3652]:في جـ، ط، أ: "وكانت".
[3653]:صحيح البخاري برقم (4520).
[3654]:في أ: "الحميس".
[3655]:المسند (4/80) وصحيح البخاري برقم (1664) وصحيح مسلم برقم (1220).
[3656]:صحيح البخاري برقم (4521).
[3657]:في جـ: "ابن جريج".
[3658]:في جـ: "ثلاث وثلاثين وثلاث وثلاثين".
[3659]:في ط: "هاهنا حديثا حديث".
[3660]:في ط: "حديث العباس".
[3661]:في جـ: "أفردناه".
[3662]:قال الطبري في تفسيره (4/192): "حدثني إسماعيل بن سيف العجلي قال: حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي قال: حدثنا ابن كنانة - ويكنى أبا كنانة - عن أبيه، عن العباس بن مرداس السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوت الله يوم عرفة أن يغفر لأمتي ذنوبها، فأجابني: أن قد غفرت، إلا ذنوبها بينها وبين خلقي، فأعدت الدعاء يومئذ، فلم أجب بشيء، فلما كان غداة المزدلفة قلت: يا رب، إنك قادر أن تعوض هذا المظلوم من ظلامته وتغفر لهذا الظالم، فأجابني: أن قد غفرت" قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقلنا: يا رسول الله، رأيناك تضحك في يوم لم تكن تضحك فيه !! قال: "ضحكت من عدو الله إبليس لما سمع بما سمع، إذ هو يدعو بالويل والثبور، ويضع التراب على رأسه".
[3663]:صحيح البخاري برقم (6306).
[3664]:صحيح البخاري برقم (7378) وصحيح مسلم برقم (2705).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

{ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } أي من عرفة لا من المزدلفة ، والخطاب مع قريش كانوا يقفون بجمع وسائر الناس بعرفة ويرون ذلك ترفعا عليهم ، فأمروا بأن يساووهم . وثم لتفاوت ما بين الإفاضتين كما في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم . وقيل : من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفة إليها والخطاب عام . وقرئ { الناس } بالكسر أي الناسي يريد آدم من قوله سبحانه وتعالى : { فنسي } والمعنى أن الإفاضة من عرفة شرع قديم فلا تغيروه . { واستغفروا الله } من جاهليتكم في تغيير المناسك ونحوه . { إن الله غفور رحيم } يغفر ذنب المستغفر وينعم عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

{ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ( 199 )

قال ابن عباس وعائشة وعطاء وغيرهم : المخاطب بهذه الآية قريش ومن ولدت وهم الحمس ، وذلك أنهم كانوا يقولون نحن قطين الله( {[1890]} ) فينبغي لنا أن نعظم الحرم ولا نعظم شيئاً من الحل ، فسنوا شق الثياب في الطواف إلى غير ذلك وكانوا مع معرفتهم وإقرارهم أن عرفة هي موقف إبراهيم لا يخرجون من الحرم ويقفون بجمع ويفيضون منه ، ويقف الناس بعرفة ، فقيل لهم أن يفيضوا مع الجملة( {[1891]} ) ، و { ثم } ليست في هذه الآية للترتيب ، إنما هي لعطف جملة كلام على جملة هي منها منقطعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحمس ، ولكنه كان يقف مذ كان بعرفة ، هداية من الله .

وقال الضحاك : «المخاطب بالآية جملة الأمة » والمراد ب { الناس } إبراهيم عليه السلام كما قال : { الذين قال لهم الناس } [ آل عمران : 173 ] وهو يريد واحداً( {[1892]} ) ، ويحتمل على هذا أن يؤمر بالإفاضة من عرفة ، ويحتمل أن تكون إفاضة أخرى وهي التي من المزدلفة فتجيء { ثم } على هذا الاحتمال على بابها( {[1893]} ) ، وعلى هذا الاحتمال عول الطبري ، وقرأ سعيد بن جبير «الناسي »( {[1894]} ) وتأوله آدم عليه السلام ، ويجوز عند بعضهم تخفيف الياء فيقول الناس كالقاض والهاد .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : أما جوازه في العربية فذكره سيبويه ، وأما جوازه مقروءاً به فلا أحفظه( {[1895]} ) ، وأمر تعالى بالاستغفار لأنها مواطنه ومظان القبول ومساقط الرحمة ، وفي الحديث( {[1896]} ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب عشية عرفة فقال : «أيها الناس ، إن الله عز وجل قد تطاول عليكم في مقامكم هذا ، فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم ، أفيضوا على اسم الله » ، فلما كان غداة جمع ، خطب فقال : «أيها الناس إن الله تطاول عليكم فعوض التبعات من عنده » .

وقالت فرقة : المعنى واستغفروا الله من فعلكم الذي كان مخالفاً لسنة إبراهيم في وقوفكم بقزح( {[1897]} ) من المزدلفة .


[1890]:- الحمس: هم سكان الحرم، والقطين: جمع قاطن أي ساكن. وقطين الله: ساكن حرمه.
[1891]:- أي مع الناس، أي من عرفة، وعلى هذا فثُمّ ليست للترتيب، وإذا كانت الإفاضة من مزدلفة فثُمَّ للترتيب على ما قرره ابن عطية رحمه الله. وقوله تعالى: [ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس] دعوة إلى المساواة والاندماج في الجماعة ونبذ الفوارق بين الناس، فالمسلمون يلتقون في هذا المؤتمر الإسلامي الشامل إخوانا متساوين مستغفرين من الكِبر والكبيرة، ومن الصلف والأنانية.
[1892]:- هو نعيم بن مسعود الأشجعي، وقوله تعالى: [الذين قال لهم... الخ] من الآية (173) من سورة آل عمران.
[1893]:- أي احتمال الإفاضة من المزدلفة، وبابها أنها للترتيب.
[1894]:- مأخوذ من قوله تعالى: [فنسي ولم نجد له عزما].
[1895]:- قال (ح) قد حفظه غيره، ثم نقل عن أبي العباس المهدوي أن سعيد بن جبير قرأ (النّاسي) بالياء، و(الناس) بالكسر من دون ياءٍ، وهي قراءة شاذة تدل على أن الإفاضة من عرفة شرع قديم. والحقيقة كما ذكر (ح) أيضا أن سيبويه لم يجز (الناسي) عربية إلا في الشعر فقط لا مطلقا كما يفهم من كلام ابن عطية.
[1896]:- رواه ابن جرير الطبري في التفسير عن ابن عمر.
[1897]:- جبل بالمزدلفة كانت تقف عليه قريش.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

الذي عليه جمهور المفسرين أن ثم للتراخي الإخباري للترقى في الخبر وأن الإفاضة المأمور بها هنا هي عين الإفاضة المذكورة في قوله تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات } [ البقرة : 198 ] وأن العطف بثم للعودة إلى الكلام على تلك الإفاضة .

فالمقصود من الأمر هو متعلق { أفيضوا } أي قوله : { من حيث أفاض الناس } إشارة إلى عرفات فيكون متضمناً الأمر بالوقوف بعرفة لا بغيرها إبطالاً لعمل قريش الذين كانوا يقفون يوم الحج الأكبر على ( قُزَح ) المسمى بجمع وبالمشعر الحرام فهو من المزدلفة وكان سائر العرب وغيرهم يقف بعرفات فيكون المراد بالناس في جمهورهم من عدا قريشاً .

عن عائشة أنها قالت : كانت قريش ومن دَان دينها يقفون بيوم عرفة في المزدلفة وكانوا يسمون الحمس وكان سائر العرب يقفون بعرفة فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى : { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } اهـ فالمخاطب بقوله : { أفيضوا } جميع المسلمين والمراد بالناس عموم الناس يعني من عدا قريشاً ومن كان من الحمس الذين كانوا يفيضون من المزدلفة وهم قريش ومن ولدوا وكنانة وأحلافهم .

روى الطبري عن ابن أبي نجيح قال : كانت قريش لا أدري قبل الفيل أم بعده ابتدعت أمر الحمس رأياً قالوا : نحن ولاة البيت وقاطنو مكة فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلنا فلا تعظموا شيئاً من الحللِ كما تعظمون الحرم يعني لأن عرفة من الحل فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرَمكم وقالوا : قد عظموا من الحل مثلَ ما عظموا من الحرم فلذلك تركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منها وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك اه ، يعني فكانوا لا يفيضون إلاّ إفاضة واحدة بأن ينتظروا الحجيج حتى يردوا من عرفة إلى مزدلفة فيجتمع الناس كلهم في مزدلفة ولعل هذا وجه تسمية مزدلفة بجمع ، لأنها يجمع بها الحمس وغيرهم في الإفاضة فتكون الآية قد ردت على قريش الاقتصار على الوقوف بمزدلفة .

وقيل : المراد بقوله : { ثم أفيضوا } الإفاضة من مزدلفة إلى منى ، فتكون ( ثم ) للتراخي والترتيب في الزمن أي بعد أن تذكروا الله عند المشعر الحرام وهي من السنة القديمة من عهد إبراهيم عليه السلام فيما يقال ، وكان عليها العرب في الجاهلية وكانت الإجازة فيها بيد خُزاعة ثم صارت بعدهم لبني عَدْوان من قيس عَيلان ، وكان آخرُ من تولى الإجازة منهم أبا سَيَّارة عُمَيلة بن الأعزل أجاز بالناس أربعين سنة إلى أن فتحت مكة فأبطلت الإجازة وصار الناس يتبعون أمير الحج ، وكانوا في الجاهلية يخرجون من مزدلفة يوم عاشر ذي الحجة بعد أن تطلع الشمس على ثَبير وهو أعلى جبلٍ قُرب منى وكان الذي يُجيز بهم يقف قبيل طلوع الشمس مستقبل القبلة ويدعو بدعاء يقول فيه : « اللهم بَغِّض بين رعائنا ، وحَبِّب بين نسائنا ، واجعل المال في سُمَحائنا ، اللهم كن لنا جاراً ممن نخافه ، أَوْفُوا بعهدكم ، وأكرموا جاركم ، واقروا ضيفكم » ، فإن قرب طلوع الشمس قال : « أَشْرِقْ ثَبير كيما نُغير » ويركب أبو سيارة حماراً أسود فإذا طلعت الشمس دَفَع بهم وتبعه الناس وقد قال في ذلك راجزهم :

خَلُّوا السبيلَ عن أبي سَيَّارهْ *** وعن مَواليه بني فَزارهْ

حتَّى يُجيز سالماً حِمــارَه *** مستقبل القبلةِ يَدْعو جَارهْ

أي يدعو الله تعالى لقوله : « اللهم كن لنا جاراً ممن نخافه .

فقوله : { من حيث أفاض الناس } أي من المكان الذي يفيض منه سائر الناس وهو مزدلفة . وعبر عنه بذلك لأن العرب كلهم يجتمعون في مزدلفة ، ولولا ما جاء من الحديث لكان هذا التفسير أظهر لتكون الآية ذكرت الإفاضتين بالصراحة وليناسب قوله بعد : { فإذا قضيتم مناسككم } [ البقرة : 200 ] .

وقوله : { من ربكم } عطف على { أفيضوا من حيث أفاض الناس } أمرهم بالاستغفار كما أمرهم بذكر الله عند المشعر الحرام . وفيه تعريض بقريش فيما كانوا عليه من ترك الوقوف بعرفة .