فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

{ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } .

{ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } فيه الخطاب للحمس من قريش ، لأنهم كانوا لا يقفون مع الناس بعرفات بل كانوا يقفون بالمزدلفة وهي من الحرم فأمروا بذلك .

وقد ورد في هذا المعنى روايات عن الصحابة والتابعين عند البخاري ومسلم وغيرهما ، وعلى هذا يكون " ثم " لعطف جملة بمعنى الواو لا للترتيب . وقيل الخطاب لجميع الأمة ، والمراد بالناس " إبراهيم " أي أفيضوا من حيث أفاض إبراهيم فيحتمل أن يكون أمرا لهم بالإفاضة من عرفة ، ويحتمل أن يكون إفاضة أخرى وهي التي من مزدلفة وعلى هذا يكون { ثم } على بابها للترتيب في الذكر لا في الزمان الواقع فيه الأعمال ، وقد رجح هذا الاحتمال الأخير ابن جرير الطبري وهو الذي يقتضيه ظاهر القرآن .

{ واستغفروا الله } أي من مخالفتكم في الموقف ولجميع ذنوبكم وإنما أمروا بالاستغفار لأنهم في مساقط الرحمة ، ومواطن القبول ومظنات الإجابة وقيل أن المعنى استغفروا للذي كان مخالفا لسنة إبراهيم وهو وقوفكم بالمزدلفة دون عرفة وردت أحاديث كثيرة في المغفرة لأهل عرفة ونزول الرحمة عليهم وإجابة دعائهم {[195]} .

{ إن الله غفور رحيم } أي ساتر لذنوب عباده برحمته وفيه دليل على أنه يقبل التوبة من عباده التائبين ويغفر لهم .


[195]:منها: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ومنها: ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عددا من النار من يوم عرفة. ومنها ما رؤى الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة.