فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

{ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } وذلك أن قريشا ومن ولدته قريش كانوا يقولون لا نخرج من الحرم فكانوا لا يشهدون موقف الناس بعرفة معهم فأمرهم الله بالوقوف معهم ؛ في صحيح مسلم عن عائشة قالت : الحمس{[639]} هم الذين أنزل الله فيهم { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } قالت كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة يقولون لا نفيض إلا من الحرم فلما نزلت { أفيضوا من حيث أفاض الناس } رجعوا إلى عرفات ؛ وروى البخاري عنها قالت : كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس وسائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله { من حيث أفاض الناس } والمراد بالإفاضة ههنا هي الإفاضة من المزدلفة إلى منى لرمي الجمار وعلى هذا تكون { ثم } في الآية الكريمة على بابها للترتيب مع التراخي ؛ أما إذا كان المراد المعنى الأول وأن المراد الإفاضة من عرفات فتكون ثم لعطف جملة على جملة ولا يراد منها الترتيب . { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } طلب العفو والصفح والغفران من ربنا البر الولي الكريم قربة وعبادة حضنا عليها الذكر الحكيم وجعلها مما يتضرع به أهل القبول والرضوان { ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيآتنا . . }{[640]} . وروى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال : قلت يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال ( قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) . ورويا -رحمهما الله- عن عائشة رضي الله عنها قالت ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد إذ أنزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } إلا قال ( سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي ) .


[639]:ومما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن ردا على من زعم أن آية الحج تقاس على آية الصلاة هذه قال: ومحل الاشتباه هو التجارة في زمان الحج وأما بعد الفراغ فالحل معلوم وقياس الحج على الصلاة فاسد فإن الصلاة أعمالها متصلة فلا يحل في أثنائها التشاغل بغيرها وأما أعمال الحج فمتفرقة تحتمل التجارة في خلالها وأيضا الفاء في قوله {فإذا أفضتم} ظاهرة في أن هذه الإفاضة حصلت عقيب ابتغاء الفضل وذلك يدل على أن المراد وقوع التجارة في زمان الحج. هم قريش ومن ولدته قريش ولو من جهة إناثها.
[640]:سورة آل عمران من الآية 193.