تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

الإفاضة

{ ثم أفيضوا من حيث أفاض الله الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم( 199 ) }

جمهور المفسرين على أن المراد من هذه الإفاضة- الإفاضة من عرفات .

روى البخاري ومسلم : أن قريشا ومن دان دينهم من كنانة وجديلة قيس ، وهم الحمس

( واحدهم الحمس وهو الشديد الصلب في الدين والقتال ) كانوا يقفون في الجاهلية بمزدلفة ترفعا عن الوقوف مع العرب في عرفات .

فأمر نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها ليبطل ما كانت عليه قريش( 119 ) .

{ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس . . . }

فالمعنى : عليكم أن تفيضوا مع لناس من مكان واحد تحقيقا للمساواة وتركا للتفاخر عدم الامتياز لأحد من أحد وذلك من أهم مقاصد الدين .

{ واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } .

أي طلبوا منه المغفرة فإن رحمته واسعة وهو ستار على عباده رحيم بهم ، وتلمح حكمة القرآن في لمسه للقلوب ودعوته إلى التوبة وتخير المناسبة لتأكيد هذه الدعوة .

قال ابن كثير في تفسيره : " كثيرا ما يأمر الله بكره بعد قضاء العبادات ، ولهذا ثبت في صحيح مسلم : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة يستغفر ثلاثا " وفي الصحيحين : أنه ندب التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين .

روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سيد الاستغفار أن يقول العبد " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا أعبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعن ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء بذنبي فاغفر لي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " من قالها في ليلته فمات في ليلته دخل الجنة ، ومن قالها في يومه فمات دخل الجنة " ( 120 ) .

وفي الصحيحين أن أبا بكر قال : يا رسول الله ، علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال قل :

( اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) ( 121 ) والأحاديث في الاستغفار كثيرة( 122 ) .

* * *