الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

وقوله سبحانه : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس }[ البقرة :199 ] . المخاطب بهذه الآيةِ قريشٌ ، ومن وَلَدَتْ قاله ابن عبَّاس وغيره ، وذلك أنهم كانوا لا يخرجُونَ من الحَرَم ، ويَقِفُون بجَمْعٍ ويفيضون منْه ، مع معرفتهم أنَّ عرفة هي موقفُ إِبراهيم ، فقِيلَ لهم : { أفيضُوا من حيثُ أفاضَ النَّاس } أي : من عرفة ، و( ثُمَّ ) ليست في هذه الآية للترتيبِ ، إِنما هي لعطف جملة كلامٍ على جملة هي منها منقطعةٌ .

وقال الضَّحَّاك : المخاطب بالآيةِ جملةُ الأمَّة ، والمرادُ بالناسِ إبراهيم ، ويحتملُ أن تكون إِفاضةً أخرى ، وهي التي من المزدلفة ، وعلى هذا عوَّل الطَبريُّ ، فتكون ( ثُمَّ ) على بابها ، وقرأ سعيدُ بن جُبَيْر : ( النَّاسِي ) ، وتأوَّله آدم -عليه السلام- ، وأمر عز وجل بالاستغفار ، لأنها مواطنه ، ومظَانُّ القبولِ ، ومساقطُ الرحْمَةِ ، وفي الحديث أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم خَطَب عشيَّة عَرَفَةَ ، فقال : ( أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَطَاوَلَ عَلَيْكُمْ فِي مَقَامِكُمْ هَذَا ، فَقَبِلَ مِنْ مُحْسِنِكُمْ ، وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ ، إِلاَّ التَّبِعَاتِ فِيمَا بَيْنَكُمْ ، أَفِيضُوا عَلَى اسم اللَّهِ ) ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ جَمْعٍ ، خَطَبَ ، فَقَالَ : ( أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ تَطَاوَلَ عَلَيْكُمْ ، فَعَوَّضَ التَّبِعَاتِ مِنْ عِنْدِهِ ) .