قوله : /( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) [ 198 ] .
أمر الحمس وهم قريش أن يفيضوا من حيث أفاض جميع الناس لأنهم كانوا لا يقفون مع الناس بعرفة افتخاراً وتعالياً ، ويقولون : نحن أهل الحرم ، فلا نخرج( {[6514]} ) منه إلى عرفات . فأمروا أن يقفوا مع الناس( {[6515]} ) . ويفيضوا من حيث أفاض الناس أي من عرفة( {[6516]} ) .
قالت عائشة رضي الله عنها : " كانت قريش ومَن دانها يقفون بالمزدلفة( {[6517]} ) ، ويقف الناس بعرفة فأمروا أن يقفوا( {[6518]} ) مع الناس " ( {[6519]} ) . وقال الضحاك : " معنى الآية : أن الله تعالى أمر جميع الناس أن يفيضوا( {[6520]} ) من حيث أفاض الناس قبلهم " ( {[6521]} ) .
والناس هم إبراهيم( {[6522]} ) صلى الله عليه وسلم ومن كان معه وذلكن جمع( {[6523]} ) .
وتقدير ( ثُمَّ أَفِيضُوا ) : ثم أمرهم بذلك على معنى التأكيد لما أمر الله به أوّلاً ، لأنه تعالى قد ذكر المشعر والإفاضة من عرفات قبل ذلك ثم قال : ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) . فإن كان/عرفات فليس الإفاضة من عرفات بعد الذكر في المشعر الحرام ، فالمعنى هو التأكيد لا أنه اتباع حكم لحكم( {[6524]} ) تقدم( {[6525]} ) .
وروي أن قريشاً كانت قد ابتدعت أشياء منها أنهم امتنعوا أن يَقِفُوا بعرفات لأجل أنها في الحل ، فقالوا : لا ينبغي لنا أن نعظم( {[6526]} ) إلا الحُرُم ، فكانوا وحلفاؤهم( {[6527]} ) يقفون يوم عرفة بمزدلفة ، ويقف سائر العرب بعرفات وسموا أنفسهم ومَن وَالاَهم على ذلك الحمس ، وابتدعوا ألا يأتقطوا( {[6528]} ) الأقِط ولا يسألوا السمن وهم محرمون ، ولا يدخلوا( {[6529]} ) بيتاً من شعر وهم حرم ، ولا يستظلوا( {[6530]} ) وهم حرم إلا في بيوت الأُدْم ، ولا يأكلوا وهم حرم من طعام( {[6531]} ) جيء به من الحل ، وابتدعوا ألا [ يطوف القادم إلى البيت إلا في ثياب ]( {[6532]} ) الحمس ، فإن لم يجد ذلك طاف عرياناً . فإذا تم طوافه أخذ ثيابه ، فإن طاف أَحَدٌ بثيابه ألقاها إذا فرغن طوافه ، فلا يأخذها أبداً هو ولا غيره . وكانت العرب تسمي تلك الثياب اللُّقَى ، وسمحوا للمرأة أن تدع( {[6533]} ) عليها درعها( {[6534]} ) . فلم يزل الأمر كذلك حتى بعث الله محمداً( {[6535]} ) صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : ( ثُمَّ( {[6536]} ) أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) . يعني قريشاً إذ( {[6537]} ) كانت تفيض من مزدلفة( {[6538]} ) .
وقيل : يعني سائر العرب ، إذ( {[6539]} ) كانوا يفيضون من عرفات ، فيكون في الكلام على هذا القول تقديم وتأخير ، وفي ذلك أنزل : ( يَا بَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا )( {[6540]} ) فأباح لهم ما حرموا على أنفسهم من لبس الثياب ، والطعام والشراب . وقد قيل : إن " ثُمَّ " بمعنى الواو في هذا .
فأما المعنى على قول الضحاك : فثم على بابها ، لأنه يقول : أمرهم أن يفيضوا من جمع ، والإفاضة من جمع لاشك أنها بعد الوقوف بمزدلفة وبعد الإفاضة من عرفات( {[6541]} ) .
وقد قال الطبري : " إن من قال : إنه عرفات ، ففي الكلام تقديم وتأخير ، وتقدير . ومعناه : ( فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ ) ، ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ، ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ) ، قال : " ولولا الإجماع( {[6542]} ) من أهل التأويل على أن المراد بقوله ( ثُمَّ أَفِيضُوا ) من عرفات ، لكان قول الضحاك هو الوجه البين ؛ إن المراد به " جمع " لأنه على ترتيب الكلام وسياقه ولا تقديم فيه ولا تأخير " ( {[6543]} ) .
ويدل على أن المراد به " جمع " ، قوله : ( وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ) وذلك أن النبي [ عليه السلام( {[6544]} ) ] قال : " دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لأُمَّتِي ذُنُوبَهَا ، فَأَجَابَنِي : أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ( {[6545]} ) إِلاَّ ذُنُوبَهَا/فيمَا بَيْنَهَ وَبَيْنَ خَلْقِي ، فَأعْدَتُ الدُّعَاءَ يَوْمَئِذٍ ، فَلَمْ أُجَبْ شَيْئاً ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ المُزْدَلِفَةِ قُلْتُ : يَا رَبِّ ، إِنَّكَ قَادِرٌ أَنْ تُعَوِّضَ( {[6546]} ) هَذَا المَظْلُوم مِنْ ظَلاَمَتِهِ ، وَتَغْفِرُ لِهَذَا الظَّالِمِ( {[6547]} ) ، فَأَجَابَنِي أَنِي قَدْ غَفَرْتُ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : ضَحِكْتُ مِنْ عَدُوِّ اللهِ إِبْلِيسَ لَمَّا سَمِعَ مَا سَمِعَ ، أَهْوَى يَدْعُو بِالوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَيَضَعُ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ " ( {[6548]} ) . فأمر/المسلمون أن يستغفروا في ذلك الموضع الذي غفر الله [ لهم فيه ]( {[6549]} ) التبعات فيما بينهم وهي أعظم من التبعات فيما بينهم وبين الله .
ومعنى : ( وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ )( {[6550]} ) . استدعوا المغفرة( {[6551]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.