الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (199)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

وذلك الحمس، قريش، وكنانة، وخزاعة، وعامر بن صعصعة، كانوا يبيتون بالمشعر الحرام، ولا يخرجون من الحرم... وكانوا لا يقفون بعرفات، فأنزل الله عز وجل فيهم يأمرهم بالوقوف بعرفات، فقال لهم: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}، يعني ربيعة، واليمن كانوا يفيضون من عرفات قبل غروب الشمس، ويفيضون من جمع إذا طلعت الشمس، فخالف النبي صلى الله عليه وسلم في الإفاضة،

{واستغفروا الله}: لذنوبكم. {إن الله غفور}: لذنوب المؤمنين، {رحيم} بهم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، ومَن المعنيّ بالأمر بالإفاضة من حيث أفاض الناس، ومَنِ الناسُ الذين أمروا بالإفاضة من موضع إفاضتهم؛ فقال بعضهم: المعنيّ بقوله:"ثمّ أفِيضُوا" قريش، ومن ولدته قريش الذين كانوا يسمون في الجاهلية الحمس، أمروا في الإسلام أن يفيضوا من عرفات، وهي التي أفاض منها سائر الناس غير الحمس. وذلك أن قريشا ومن ولدته قريش، كانوا يقولون: لا نخرج من الحرم. فكانوا لا يشهدون موقف الناس بعرفة معهم، فأمرهم الله بالوقوف معهم... عن عائشة قالت: كانت قريش ومن كان على دينها وهم الحمس، يقفون بالمزدلفة يقولون: نحن قَطِين الله، وكان من سواهم يقفون بعرفة. فأنزل الله: "ثمّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النّاسُ"... كانت قريش وكل ابن أخت وحليف لهم لا يفيضون مع الناس من عرفات، يقفون في الحرم ولا يخرجون منه، يقولون: إنما نحن أهل حرم الله فلا نخرج من حرمه. فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس وكانت سُنّة إبراهيم وإسماعيل الإفاضة من عرفات... كانت قريش -قبل الفيل أو بعده- ابتدعت أمْرَ الحمس، رأيا رأوه بينهم قالوا: نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت وقاطنو مكة وساكنوها، فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظّموا شيئا من الحِلّ كما تعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفّت العرب بحرمكم، وقالوا: قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم. فتركوا الوقوف على عرفة، والإفاضة منها، وهم يعرفون ويقرّون أنها من المشاعر والحجّ ودين إبراهيم، ويرون لسائر الناس أن يقفوا عليها، وأن يفيضوا منها. إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة، ولا نعظم غيرها كما نعظمها نحن الحمس، والحمس: أهل الحرم ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحلّ مثل الذي لهم بولادتهم إياهم، فيحلّ لهم ما يحلّ لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم. وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك، ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن، حتى قالوا: لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط، ولا يسلأوا السمن وهم حُرُم، ولا يدخلوا بيتا من شعر، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حراما، ثم رفعوا في ذلك فقالوا لا ينبغي لأهل الحلّ أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحلّ في الحرم إذا جاءوا حجاجا أو عمارا، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أوّل طوافهم إلا في ثياب الحمس، فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة. فحملوا على ذلك العرب فدانت به، وأخذوا بما شرعوا لهم من ذلك، فكانوا على ذلك حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله حين أحكم له دينه وشرع له حجته: "ثُمّ أفيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفرُوا اللّهَ إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ"؛ يعني قريشا والناس العرب. فرفعهم في سنة الحجّ إلى عرفات، والوقوف عليها، والإفاضة منها فوضع الله أمر الحمس، وما كانت قريش ابتدعت منه عن الناس بالإسلام حين بعث الله رسوله.

وقال آخرون: المخاطبون بقوله: "ثُمّ أفِيضُوا": المسلمون كلهم، والمعنيّ بقوله: "مِنْ حَيْثُ أفاضَ النّاسُ "من جمع، وبالناس إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام. والذي نراه صوابا من تأويل هذه الآية، أنه عنى بهذه الآية قريش ومن كان متحمسا معها من سائر العرب لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله.

وإذ كان ذلك كذلك فتأويل الآية: "فمن فرض فيهن الحجّ، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"، "ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس"، "واستغفروا الله إن الله غفور رحيم"، "وما تفعلوا من خير يعلمه الله". وهذا إذ كان ما وصفنا تأويله فهو من المقدّم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم، على نحو ما تقدم بياننا في مثله، ولولا إجماع من وصفت إجماعه على أن ذلك تأويله لقلت: أولى التأويلين بتأويل الآية؛ أن الله عنى بقوله: "مِنْ حَيْثُ أفاضَ النّاسُ": من حيث أفاض إبراهيم لأن الإفاضة من عرفات لا شك أنها قبل الإفاضة من جمع، وقبل وجوب الذكر عند المشعر الحرام.

وإذ كان ذلك لا شك كذلك، وكان الله عز وجل إنما أمر بالإفاضة من الموضع الذي أفاض منه الناس بعد انقضاء ذكر الإفاضة من عرفات وبعد أمره بذكره عند المشعر الحرام، ثم قال بعد ذلك: "ثمّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النّاسُ"، كان معلوما بذلك أنه لم يأمر بالإفاضة إلا من الموضع الذي لم يفيضوا منه دون الموضع الذي قد أفاضوا منه، وكان الموضع الذي قد أفاضوا منه فانقضى وقت الإفاضة منه، لا وجه لأن يقال: أفض منه. فإذا كان لا وجه لذلك وكان غير جائز أن يأمر الله جل وعز بأمر لا معنى له، كانت بيّنة صحة ما قاله من التأويل في ذلك، وفساد ما خالفه لولا الإجماع الذي وصفناه وتظاهر الأخبار بالذي ذكرنا عمن حكينا قوله من أهل التأويل.

فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه: والناس جماعة، وإبراهيم صلى الله عليه وسلم واحد، والله تعالى ذكره يقول: "ثمّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النّاسُ"؟ قيل: إن العرب تفعل ذلك كثيرا، فتدلّ بذكر الجماعة على الواحد. ومن ذلك قول الله عزّ وجل: "الّذين قاَل لهُمْ النّاسَ إنّ النّاسُ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ" والذي قال ذلك واحد، وهو فيما تظاهرت به الرواية من أهل السير نعيم بن مسعود الأشجعي، ومنه قول الله عز وجل: "يا أيّها الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبات وَاعْمَلُوا صَالحا" قيل: عنى بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم.

"وَاسْتَغْفِرُوا اللّهَ إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ": فإذَا أفضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ منصرفين إلى منى فاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ المَشْعَر الحَرَامِ وادعوه واعبدوه عنده، كما ذكركم بهدايته، فوفقكم لما ارتضى لخليله إبراهيم، فهداه له من شريعة دينه بعد أن كنتم ضلالاً عنه.

وفي «ثُمّ» في قوله: "ثمّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النّاسُ" من التأويل وجهان: أحدهما أن معناه: ثم أفيضوا فانصرفوا راجعين إلى منى من حيث أفاض إبراهيم خليلي من المشعر الحرام، وسلوني المغفرة لذنوبكم، فإني لها غفور، وبكم رحيم. والآخر منهما: ثم أفيضوا من عرفة إلى المشعر الحرام، فإذا أفضتم إليه منها فاذكروا الله عنده كما هداكم.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

...

...

...

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْإِفَاضَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ مُخَالَفَةً لِقُرَيْشٍ؛ قَالَهُ الْجَمَاعَةُ.

الثَّانِي: الْمُرَادُ بِهِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى؛ قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَإِنَّمَا صَارَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَأَى اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْإِفَاضَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَالْإِفَاضَةُ الَّتِي بَعْدَ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ هِيَ الْإِفَاضَةُ إلَى مِنًى.

وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا بِأَرْبَعَةِ أَجْوِبَةٍ:...

الرَّابِعُ: -وَهُوَ التَّحْقِيقُ- أَنَّ الْمَعْنَى فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ: يَا مَعْشَرَ مَنْ حَلَّ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ. وَأَخَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْخِطَابَ إلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لِيَعُمَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ حَتَّى يَمْتَثِلَهُ مَعَ مَنْ وَقَفَ...

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

و {الغفور}: من أسماء الله، عز وجل وهو من قولك: غفرت الشيء: إذا غطيته، فكأن الغفور هو الساتر لعبده برحمته، أو الساتر لذنوب عباده. والغفور: هو الذي يكثر المغفرة، لأن بناء المفعول للمبالغة من الكثرة، كقولك: صبور...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أما قوله تعالى: {واستغفروا الله} فالمراد منه الاستغفار باللسان مع التوبة بالقلب، وهو أن يندم على كل تقصير منه في طاعة الله ويعزم على أن لا يقصر فيما بعد، ويكون غرضه في ذلك تحصيل [مرضاة] الله تعالى لا لمنافعه العاجلة كما أن ذكر الشهادتين لا ينفع إلا والقلب حاضر مستقر على معناهما، وأما الاستغفار باللسان من غير حصول التوبة بالقلب فهو إلى الضرر أقرب.

فإن قيل: كيف أمر بالاستغفار مطلقا، وربما كان فيهم من لم يذنب فحينئذ لا يحتاج إلى الاستغفار. والجواب: أنه إن كان مذنبا فالاستغفار واجب، وإن لم يذنب إلا أنه يجوز من نفسه أنه قد صدر عنه تقصير في أداء الواجبات، والاحتراز عن المحظورات، وجب عليه الاستغفار أيضا تداركا لذلك الخلل المجوز، وإن قطع بأنه لم يصدر عنه البتة خلل في شيء من الطاعات، فهذا كالممتنع في حق البشر، فمن أين يمكنه هذا القطع في عمل واحد، فكيف في أعمال كل العمر، إلا أن بتقدير إمكانه فالاستغفار أيضا واجب، وذلك لأن طاعة المخلوق لا تليق بحضرة الخالق، ولهذا قالت الملائكة: (سبحانك ما عبدناك حق عبادتك)، فكان الاستغفار لازما من هذه الجهة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: « إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة»...

وأما قوله تعالى: {إن الله غفور رحيم} قد علمت أن غفورا يفيد المبالغة، وكذا الرحيم،

ثم في الآية مسألتان:

المسألة الأولى: هذه الآية تدل على أنه تعالى يقبل التوبة من التائب، لأنه تعالى لما أمر المذنب بالاستغفار، ثم وصف نفسه بأنه كثير الغفران كثير الرحمة، فهذا يدل قطعا على أنه تعالى يغفر لذلك المستغفر، ويرحم ذلك الذي تمسك بحبل رحمته وكرمه.

المسألة الثانية: اختلف أهل العلم في المغفرة الموعودة في هذه الآية فقال قائلون: إنها عند الدفع من عرفات إلى الجمع، وقال آخرون: إنها عند الدفع من الجمع إلى منى، وهذا الاختلاف مفرع على ما ذكرنا أن قوله: {ثم أفيضوا} على أي الأمرين يحمل؟ قال القفال رحمه الله: ويتأكد القول الثاني بما روى نافع عن ابن عمر، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية يوم عرفة فقال: « يا أيها الناس إن الله عز وجل يطلع عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسنكم، والتبعات عوضها من عنده أفيضوا على اسم الله» فقال أصحابه: يا رسول الله أفضت بنا بالأمس كئيبا حزينا وأفضت بنا اليوم فرحا مسرورا، فقال عليه الصلاة والسلام: « إني سألت ربي عز وجل بالأمس شيئا لم يجد لي به: سألته التبعات فأبى علي به فلما كان اليوم أتاني جبريل عليه السلام فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: التبعات ضمنت عوضها من عندي» اللهم اجعلنا من أهله بفضلك يا أكرم الأكرمين...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

كثيرًا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{واستغفروا الله} أي اطلبوا من ذي الجلال والإكرام أن يغفر لكم ما كنتم تفعلونه أيام جاهليتكم من مخالفة الهدى في الوقوف و ما يبقى في الأنفس من آثار تلك العادة ومن غير ذلك من النقائص التي يعلمها الله منكم.

قال الحرالي: والعادات أشد ما على المتعبدين والطريق إلى الله تعالى بخلعها، وقد كان جدالهم أي في وقوفهم في الحرم بغير علم لأن العلم يقتضي أن الواقف خائف والخائف لا يخاف في الحرم لأن الله سبحانه وتعالى جعل الحرم آمناً، فمن حق الوقوف أن يكون في الحل فإذا أمن دخل الحرم وإذا دخل الحرم أمن... وأظهر الاسم الشريف تعريفاً للمقام وإعلاماً بأنه موصوف بما يصفه به على وجه العموم من غير نظر إلى قيد ولا حيثية فقال: {إن الله} ذا الكمال {غفور} أي ستور ذنب من استغفره {رحيم} أي بليغ الرحمة يدخل المستغفر في جملة المرحومين الذين لم يبد منهم ذنب فهو يفعل بهم من الإكرام فعل الراحم بالمرحوم ليكون التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

الحج هو مؤتمر المسلمين الجامع، الذي يتلاقون فيه مجردين من كل آصرة سوى آصرة الإسلام، متجردين من كل سمة إلا سمة الإسلام، عرايا من كل شيء إلا من ثوب غير مخيط يستر العورة، ولا يميز فردا عن فرد، ولا قبيلة عن قبيلة، ولا جنسا عن جنس.. إن عقدة الإسلام هي وحدها العقدة، ونسب الإسلام هو وحده النسب، وصبغة الإسلام هي وحدها الصبغة. وقد كانت قريش في الجاهلية تسمي نفسها "الحمس "جمع أحمس، ويتخذون لأنفسهم امتيازات تفرقهم عن سائر العرب. ومن هذه الامتيازات أنهم لا يقفون مع سائر الناس في عرفات، ولا يفيضون -أي يرجعون- من حيث يفيض الناس. فجاءهم هذا الأمر ليردهم إلى المساواة التي أرادها الإسلام، وإلى الاندماج الذي يلغي هذه الفوارق المصطنعة بين الناس:

(ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، واستغفروا الله، إن الله غفور رحيم)..

قال البخاري: حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: "كان قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وسائر العرب يقفون بعرفات. فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه [ص] أن يأتي عرفات، ثم يقف بها ثم يفيض منها. فذلك قوله: من حيث أفاض الناس"..

قفوا معهم حيث وقفوا، وانصرفوا معهم حيث انصرفوا.. إن الإسلام لا يعرف نسبا، ولا يعرف طبقة. إن الناس كلهم أمة واحدة. سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. ولقد كلفهم الإسلام أن يتجردوا في الحج من كل ما يميزهم من الثياب، ليلتقوا في بيت الله إخوانا متساوين. فلا يتجردوا من الثياب ليتخايلوا بالأنساب.. ودعوا عنكم عصبية الجاهلية، وادخلوا في صبغة الإسلام.. واستغفروا الله.. استغفروه من تلك الكبرة الجاهلية. واستغفروه من كل ما مس الحج من مخالفات ولو يسيرة هجست في النفس، أو نطق بها اللسان. مما نهى عنه من الرفث والفسوق والجدال.

وهكذا يقيم الإسلام سلوك المسلمين في الحج، على أساس من التصور الذي هدى البشرية إليه. أساس المساواة، وأساس الأمة الواحدة التي لا تفرقها طبقة، ولا يفرقها جنس، ولا تفرقها لغة، ولا تفرقها سمة من سمات الأرض جميعا.. وهكذا يردهم إلى استغفار الله من كل ما يخالف عن هذا التصور النظيف الرفيع..