المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

161- ما صح لنبي أن يخون في المغنم كما أشاع المنافقون الكذابون ، لأن الخيانة تنافي النبوة ، فلا تظنوا به ذلك ، ومن يخن يأت يوم القيامة بإثم ما خان فيه ، ثم تُعطى كل نفس جزاء ما عملت وافياً ، وهم لا يظلمون بنقصان الثواب أو زيادة العقاب .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

قوله تعالى : { وما كان لنبي أن يغل } . الآية ، قال عكرمة ومقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما إن هذه الآية نزلت في قطيفة حمراء ، فقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في غنائم أحد ، حين ترك الرماة المركز للغنيمة ، وقالوا : نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئاً فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر ، فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري ؟ قالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال قتادة : ذكر لنا أنها نزلت في طائفة غلت من أصحابه . وقيل إن الأقوياء ألحوا عليه يسألونه من المغنم ، فأنزل لله تعالى ( وما كان لنبي أن يغل ) فيعطي قوماً ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بينهم بالسوية ، وقال محمد بن إسحاق هذا في الوحي ، يقول : ما كان لنبي أن يكتم شيئاً من الوحي رغبة أو رهبة أو مداهنة . قوله تعالى ( وما كان لنبي أن يغل ) ، وقرأ ابن كثير وأهل البصرة وعاصم ( يغل ) بفتح الياء وضم العين ، معناه : أن يخون والمراد منه الأمة ، وقيل : اللام فيه منقولة ، معناه : ما كان النبي ليغل ، وقيل معناه : ما كان يظن به ذلك ولا يليق به ، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الغين ، وله وجهان : أحدهما ، أن يكون من الغلول أيضاً أي ما كان لنبي أن يخان ، يعني أن تخونه أمته ، والوجه الآخر أن يكون من الإغلال ، معناه ما كان لنبي أن يغل ، أن يخون ، أي ينسب إلى الخيانة .

قوله تعالى : { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } . قال الكلبي : يمثل له ذلك الشيء في النار ثم يقال له : انزل فخذه فينزل فيحمله على ظهره فإذا بلغ موضعه وقع في النار ، ثم يكلف أن ينزل إليه فيخرجه ففعل ذلك به . أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهباً ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع ، قال : فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى ، وكان رفاعة بن زيد وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبداً أسود يقال له مدعم ، قال : فخرجنا حتى إذا كنا بوادي القرى فبينما مدعم يحط رحلا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر فجأة فأصابه فقتله ، فقال الناس : هنيئاً له الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم ، تشتعل ناراً ، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شراك من نار أو شراكان من نار .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد أخبرنا إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى ابن حيان ، عن أبي عمرة الأنصاري ، عن زيد بن خالد الجهني ، قال : إن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلوا على صاحبكم ، فتغيرت وجوه الناس لذلك ، فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :إن صاحبكم قد غل في سبيل الله ، قال : ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب المروزي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي حميد الساعدي قال : استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال :هذا لكم وهذا أهدي لي ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال : ما بال العامل نبعثه على بعض أعمالنا فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي ؟ فهلا جلس في بيت أمه أو في بيت أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ فو الذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة لها تبعر ، ثم رفع يده حتى رأينا عفرة إبطيه ، ثم قال : اللهم هل بلغت ثلاثا .

وروى قيس بن أبي حازم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال : لا تصيبن شيئاً إلا بإذني فإنه غلول ، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة .

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه .

وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغال وضربوه .

قوله تعالى : { ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

{ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }

الغلول هو : الكتمان من الغنيمة ، [ والخيانة في كل مال يتولاه الإنسان ]{[171]}  وهو محرم إجماعا ، بل هو من الكبائر ، كما تدل عليه هذه الآية الكريمة وغيرها من النصوص ، فأخبر الله تعالى أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يغل ، لأن الغلول -كما علمت- من أعظم الذنوب وأشر العيوب . وقد صان الله تعالى أنبياءه عن كل ما يدنسهم ويقدح فيهم ، وجعلهم أفضل العالمين أخلاقا ، وأطهرهم نفوسا ، وأزكاهم وأطيبهم ، ونزههم عن كل عيب ، وجعلهم محل رسالته ، ومعدن حكمته { الله أعلم حيث يجعل رسالته } .

فبمجرد علم العبد بالواحد منهم ، يجزم بسلامتهم من كل أمر يقدح فيهم ، ولا يحتاج إلى دليل على ما قيل فيهم من أعدائهم ، لأن معرفته بنبوتهم ، مستلزم لدفع ذلك ، ولذلك أتى بصيغة يمتنع معها وجود الفعل منهم ، فقال : { وما كان لنبي أن يغل } أي : يمتنع ذلك ويستحيل على من اختارهم الله لنبوته .

ثم ذكر الوعيد على من غل ، فقال : { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } أي : يأت به حامله على ظهره ، حيوانا كان أو متاعا ، أو غير ذلك ، ليعذب به يوم القيامة ، { ثم توفى كل نفس ما كسبت } الغال وغيره ، كل يوفى أجره ووزره على مقدار كسبه ، { وهم لا يظلمون } أي : لا يزاد في سيئاتهم ، ولا يهضمون شيئا من حسناتهم ، وتأمل حسن هذا الاحتراز في هذه الآية الكريمة .

لما ذكر عقوبة الغال ، وأنه يأتي يوم القيامة بما غله ، ولما أراد أن يذكر توفيته وجزاءه ، وكان الاقتصار على الغال يوهم -بالمفهوم- أن غيره من أنواع العاملين قد لا يوفون -أتى بلفظ عام جامع له ولغيره .


[171]:- زيادة من هامش ب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

ثم نهى - سبحانه - عن الغلول ونزه النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال - تعالى - { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة } وقوله { يَغُلَّ } من الغلول وهو الأخذ من الغنيمة خفية قبل قسمتها . يقال : غل فلان شيئاً من المغنم يغل غلولا إذا أخذه خفية . ويقال : أغل الجازر أو السالخ إذا أبقى فى الجلد شيئا من اللحم على طريق الخفية .

وأصله من الغلل وهو دخول الماء فى خلل الشجر خفية . والغل : الحقد الكامن فى الصدر وسميت هذه الخيانة غلولا ، لأنها تجرى فى المال على خفاء من وجه لا يحل .

والمعنى : ما صح ولا استقام لنبى من الأنبياء أن يخون فى المغنم ، لأن الخيانة تتنافى مع مقام النبوة الذى هو أشرف المقامات { وَمَن يَغْلُلْ } أى ومن يرتكب شيئاً من ذلك ، { يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة } أى يأت بما غله يوم القيامة حاملا إياه ليكون فضيحة له يوم الحشر ، ليؤخذ بإثم غلوله وخيانته .

وقد روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه أبو داود والترمذى عن ابن عباس قال : " نزلت هذه الآية " { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } فى قطيفة حمراء فقدت يوم بدر . فقال بعض الناس : لعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها ، وأكثروا فى ذلك فأنزل الله الآية " .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أيضاً أن المنافقين اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشىء فُقِد ، فأنزل الله - تعالى - { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } .

قال ابن كثير - بعد أن ساق هاتين الروايتين - وهذا تنزيه له صلى الله عليه وسلم من جميع وجوه الخيانة فى أداء الأمانة وقسمة الغنيمة وغير ذلك .

وفى ورود هذه الآية الكريمة فى سياق الحديث عن غزوة أحد ، حكمة عظيمة ، وتأديب من الله للمؤمنين ، وتحذير لهم من الغلول ، ذلك أن الرماة الذين تركوا أماكنهم مخالفين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دفعهم لذلك خشيتهم من أن ينفرد المقاتلون بالغنائم ، ففعلوا ما فعلوا ، ولقد روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرماة :

" أظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم " .

وقد نهى صلى الله عليه وسلم فى كثير من الأحاديث عن الغلول ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة قال : " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، ثم قال لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثنى ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، ولا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثنى فأقول : لا أملك من الله شيئاً قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول : يا رسول الله أغثنى فأقول : لا أملك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق - أى ثياب - فيقول يا رسول الله أغثنى فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيام على رقبته صامت - أى ذهب وفضة - فيقول : يا رسول الله أغثنى فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك " .

هذا ، وجمهور العلماء على أن الغال يأتى بما غله يوم القيامة بعينه على سبيل الحقيقة لأن ظواهر النصوص من الكتاب والنسة تؤيد ذلك . ولأنه لا موجب لصرف الألفاظ عن ظواهرها .

ومن العلماء من جعل الإتيان بالغلول يوم القيامة مجاز عن الإتيان بإثمه تعبيراً بما غل عما لزمه من الإثم مجازا .

قال الفخر الرازى : " واعلم أن هذا التأويل - المجازى - يحتمل ، إلا أن الأصل المعتبر فى علم القرآن أنه يجب إجراء اللفظ على الحقيقة إلا إذا قام دليل يمنع منه . وهنا لا مانع من هذا الظاهر فوجب إثباته " .

ومن المفسرين الذين حمولا الإتيان على ظاهره الإمام القرطبى فقد قال عند تفسيره لقوله - تعالى - { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة } أى يأتى به حاملا له على ظهره ورقبته معذباً بحماه وثقله ومرعوباً بصوته ، وموبخاً بإظهار خيانته على رءوس الاشهاد .

وقال بعد إيراده للحديث السابق الذى رواه مسلم عن أبى هريرة : قيل الخبر محمول على شهرة الأمر . أى يأتى يوم القيامة قد شهر الله أمره كما يشهر لو حمل بعيراً له رغاء أو فرساً له حمحمة .

قلت : وهذا عدول عن الحقيقة إلى المجاز والتشبيه ، وإذا دار الكلام بين الحقيقة والمجاز فالحقيقة الأصل - كما فى كتب الأصول - وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بالحقيقة ولا عطر بعد عروس " .

ثم نبه - سبحانه - على العقوبة التى ستحل بالخائن ، بعد أن بين ما سيناله من فضيحة وخزى فقال : { ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } .

أى : ثم تعطى كل نفس يوم القيامة جزاء ما كسبت من خير أو شر وافيا تاماً ، وهم لا يظلمون شيئاً ، لأن الحاكم بينهم هو ربك الذى لا يظلم أحداً .

وهذه الجملة معطوفة على ما قبلها وقوله { وَمَن يَغْلُلْ } وجاء العطف بثم المفيدة للتراخى ، للإشعار بالتفاوت الشديد بين حمله ما غل وبين جزائه وسوء عاقبته يوم القيامة .

وقال - سبحانه - { ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ } . . . بصيغة العموم ، ولم يقل ثم يوفى الغال مثلا - لأن من فوائد ذكر هذا الجزاء بصيغة العموم ، الاعلام والإخبار للغال وغيره من جميع الكاسبين بأن كل إنسان سيجازى على عمله سواء أكان خيرا أو شراً . فيندرج الغال تحت هذا العموم أيضاً فكأنه قد ذكر مرتين .

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : فإن قلت : هلا قيل ثم يوفى ما كسب ليتصل به ؟ قلت : جىء بعام دخل تحته كل كاسب من الغال وغيره فاتصل به من حيث المعنى ، وهو أبلغ وأثبت ، لأنه إذا علم الغال أن كل كاسب خيراً أو شراً مجزى فموفى جزاءه ، علم أنه غير متخلص من بينهم مع عظم ما اكتسب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

121

ثم يعود إلى الحديث عن النبوة وخصائصها الخلقية ؛ ليمد من هذا المحور خيوطا في التوجيه للأمانة ، والنهي عن الغلول ، والتذكير بالحساب ، وتوفية النفوس دون إجحاف :

( وما كان لنبي أن يغل . ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة . ثم توفى كل نفس ما كسبت ، وهم لا يظلمون ) . .

ولقد كان من بين العوامل التي جعلت الرماة يزايلون مكانهم من الجبل ، خوفهم ألا يقسم لهم رسول الله [ ص ] من الغنائم ! كذلك كان بعض المنافقين قد تكلموا بأن بعض غنائم بدر من قبل قد اختفت ؛ ولم يستحوا أن يهمسوا باسمه [ ص ] في هذا المجال .

فهنا يأتي السياق بحكم عام ينفي عن الأنبياء عامة إمكان أن يغلوا . . أي أن يحتجزوا شيئا من الأموال والغنائم أو يقسموا لبعض الجند دون بعض ، أو يخونوا إجمالا في شيء :

( وما كان لنبي أن يغل ) . .

ما كان له . فهو ليس من شأنه أصلا ولا من طبعه ولا من خلقه . فالنفي هنا نفي لإمكان وقوع الفعل . وليس نفيا لحله أو جوازه . فطبيعة النبي الأمينة العادلة العفيفة لا يتأتى أن يقع منها الغلول ابتداء . . وفي قراءة : " يغل " على بناء الفعل لغير الفاعل . أي لا يجوز أن يخان . ولا أن يخفي عنه أتباعه شيئا . . فيكون نهيا عن خيانة النبي في شيء . وهو يتمشى مع عجز الآية . وهي قراءة الحسن البصري .

ثم يهدد الذين يغلون ، ويخفون شيئا من المال العام أو من الغنائم ، ذلك التهديد المخيف :

( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة . ثم توفى كل نفس ما كسبت ، وهم لا يظلمون ) . .

روى الإمام أحمد . حدثنا سفيان عن الزهري ، سمع عروة يقول : حدثنا أبو حميد الساعدي قال : استعمل رسول الله [ ص ] رجلا من الأزد يقال له ابن اللتيبة . على الصدقة . فجاء فقال : هذا لكم وهذا أهدي إلي . فقام رسول الله [ ص ] على المنبر فقال : " ما بال العامل نبعثه على عمل فيقول : هذا لكم وهذا أهدي إلي . أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدي إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده ، لا يأتي أحدكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته ، وإن بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر " . . ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه . ثم قال : " اللهم هل بلغت ؟ " - ثلاثا - . . [ وأخرجه الشيخان ] وروى الإمام أحمد بإسناده ، عن أبي هريرة قال : قام فينا رسول الله [ ص ] يوما فذكر الغلول ، فعظمه وعظم أمره . ثم قال : " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، فيقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت . فيقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك " . . [ وأخرجه الشيخان من حديث أبي حيان ] . .

وروى الإمام أحمد - بإسناده - عن عدي بن عميرة الكندي . قال : قال رسول الله [ ص ] :

" يا أيها الناس . من عمل لنا منكم عملا ، فكتمنا منه مخيطا فما فوقه ، فهو غل يأتي به يوم القيامة " . . قال : فقام رجل من الأنصار أسود - قال مجاهد : هو سعد بن عبادة كأني أنظر إليه - فقال : يا رسول الله ، أقبل مني عملك . قال : " وما ذاك ؟ " قال : سمعتك تقول : كذاوكذا . قال : " وأنا أقول ذلك الآن . من استعملناه على عمل فليجيء بقليله وكثيره . فما أوتي منه أخذه ؛ وما نهي عنه انتهى " . . [ ورواه مسلم وأبو داود من طرق عن إسماعيل بن أبي رافع ] . .

وقد عملت هذه الآية القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة عملها في تربية الجماعة المسلمة ؛ حتى أتت بالعجب العجاب ؛ وحتى أنشأت مجموعة من الناس تتمثل فيهم الأمانة والورع والتحرج من الغلول في أية صورة من صوره ، كما لم تتمثل قط في مجموعة بشرية . وقد كان الرجل من أفناء الناس من المسلمين يقع في يده الثمين من الغنيمة ، لا يراه أحد ، فيأتي به إلى أميره ، لا تحدثه نفسه بشيء منه ، خشية أن ينطبق عليه النص القرآني المرهوب ، وخشية أن يلقى نبيه على الصورة المفزعة المخجلة التي حذره أن يلقاه عليها يوم القيامة ! فقد كان المسلم يعيش هذه الحقيقة فعلا . وكانت الآخرة في حسه واقعا ، وكان يرى صورته تلك أمام نبيه وأمام ربه ، فيتوقاها ويفزع أن يكون فيها . وكان هذا هو سر تقواه وخشيته وتحرجه . فالآخرة كانت حقيقة يعيشها ، لا وعدا بعيدا ! وكان على يقين لا يخالجه الشك من أن كل نفس ستوفى ما كسبت ، وهم لا يظلمون . .

روى ابن جرير الطبري في تاريخه قال : لما هبط المسلمون المدائن ، وجمعوا الأقباض ، أقبل رجل بحق معه ، فدفعه إلى صاحب الأقباض . فقال والذين معه : ما رأينا مثل هذا قط ، ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه . فقالوا : هل أخذت منه شيئا ؟ فقال : أما والله لولا الله ما آتيتكم به . فعرفوا أن للرجل شأنا . فقالوا : من أنت ؟ فقال : لا والله لا أخبركم لتحمدوني ، ولا غيركم ليقرظوني ! ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه . فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه ، فسأل عنه فإذا عامر بن عبد قيس . .

وقد حملت الغنائم إلى عمر - رضي الله عنه - بعد القادسية ، وفيها تاج كسرى وإيوانه لا يقومان بثمن . . فنظر - رضي الله عنه - إلى ما أداه الجند في غبطة وقال : " إن قوما أدوا هذا لأميرهم لأمناء " . .

وهكذا ربى الإسلام المسلمين تلك التربية العجيبة التي تكاد أخبارها تحسب في الأساطير .

/خ179

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

وقوله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وغير واحد : ما ينبغي لنبي أن يخون .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا المسيَّب بن واضح ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن سفيان{[6018]} [ عن ]{[6019]} خصيف ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : فقدوا قطيفة يوم بدر فقالوا : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها . فأنزل الله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } أي : يخون .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا خصِيف ، حدثنا مِقْسَم حدثني ابن عباس أن هذه الآية : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } نزلت في قطيفة {[6020]}حمراء فُقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : أخذها{[6021]} قال فأكثروا في ذلك ، فأنزل الله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }

وكذا رواه أبو داود ، رحمه الله ، والترمذي جميعا ، عن قتيبة ، عن عبد الواحد بن زياد ، به . وقال الترمذي : حسن غريب . ورواه بعضهم عن خَصِيف ، عن مِقْسَم - يعني مرسلا{[6022]} .

وروى ابن مَرْدُويه من طريق أبي عمرو بن العلاء ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : اتهم المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فُقِد ، فأنزل الله ، عز وجل : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ }

وقد وروي من غير وجه عن ابن عباس نحو ما تقدم . وهذا تبرئة له ، صلوات الله وسلامه عليه ، عن جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك .

وقال العوفي عن ابن عباس : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } أي : بأن يَقْسم لبعض السرايا ويترك بعضا{[6023]} وكذا قال الضحاك .

وقال محمد بن إسحاق : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } بأن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلغه أمته .

وقرأ الحسن البصري وطاوس ، ومجاهد ، والضحاك : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } بضم الياء أي : يخان .

وقال قتادة والربيع بن أنس : نزلت هذه الآية يوم بدر ، وقد غَلّ بعض أصحابه . رواه ابن جرير عنهما ، ثم حكى عن بعضهم أنه قرأ{[6024]} هذه القراءة بمعنى يُتَّهم بالخيانة .

ثم قال تعالى : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد . وقد وردت السنة بالنهي عن ذلك أيضا في أحاديث متعددة .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك ، حدثنا زهير - يعني ابن محمد - عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي مالك الأشجعي [ رضي الله عنه ]{[6025]} عن النبي صلى الله عليه وسلم{[6026]} أعْظَمُ الْغُلُولِ عِنْدَ اللهِ ذِراعٌ مِنَ الأرْضِ : تَجِدُونَ الرَّجُلَيْن جَارَيْن في الأرْضِ - أو فِي الدَّار - فَيَقْطَعُ أحَدُهُمَا مِنْ حَظِ صِاحِبِه ذِراعًا ، فَإذَا اقْتَطَعَهُ طُوِّقَهُ مِنْ سَبعِ{[6027]} أرضِينَ إلى يَوْمِ الْقِيَامة " {[6028]} .

[ " وفي الصحيحين عن سعيد بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ظلم قَيْد شبر من الأرض طُوِّقَه يوم القيامة من سبع أرضين " ]{[6029]} {[6030]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن ابن{[6031]} هُبَيْرة والحارث بن يزيد{[6032]} عن عبد الرحمن بن جبير . قال : سمعت المُسْتَوْرد بن شدّاد يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مَنْ وَلِيَ لَنَا عَمَلا وَلَيْسَ لَهُ مَنزلٌ فَلْيَتَّخِذْ مَنزلا أَوْ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فَلْيَتَزَوَّجْ ، أَوْ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَتَّخِذْ خَادِمًا ، أَوْ لَيْسَت{[6033]} لَهُ دَابَّةٌ فَلْيَتَّخِذْ دَابَّةً ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ " {[6034]} .

هكذا رواه الإمام أحمد ، وقد رواه أبو داود بسند آخر وسياق آخر فقال :

حدثنا موسى بن مروان الرَّقِّي ، حدثنا المعافي ، حدثنا الأوزاعي ، عن الحارث بن يزيد{[6035]} عن جبير بن نُفَير ، عن المستورد بن شداد . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلا فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا " . قال : قال أبو بكر : أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ ، أَوْ سَارِقٌ " {[6036]} .

قال شيخنا الحافظ المزّي [ رحمه الله ]{[6037]} رواه جعفر بن محمد الفرْيَابي ، عن موسى بن مروان فقال : عن عبد الرحمن بن جُبَير بدل جبير بن نفير ، وهو أشبه بالصواب .

حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيب ، حدثنا حَفْص{[6038]} بن بشْر ، حدثنا{[6039]} يعقوب القُمّي{[6040]} حدثنا حفص بن حميد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى لله عليه وسلم " لا أعْرِفَنَّ أحَدَكُمْ يَأْتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْملُ شَاةً لَهَا ثُغَاءٌ ، فَيُنَادِي : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ ، فَأقُولُ : لا أمْلِكُ [ لَكَ ]{[6041]} مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ . ولا أعْرِفَنَّ أحَدَكُمْ [ يأْتِي ]{[6042]} يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ جَمَلا لَهُ رُغَاءٌ ، فَيَقُولُ : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ . فَأَقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِن اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ . ولا أعْرِفَنَّ أَحَدكمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ فَرَسًا لَهُ حَمْحَمَةٌ ، يُنَادِي : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ . فَأَقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ

بَلَّغْتُكَ . وَلا أعْرِفَنَّ أحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ [ قَشْعًا ]{[6043]} من أدْمٍ ، يُنَادِي : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ . فأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ " .

لم يروه أحدٌ من أهل{[6044]} الكتب الستة{[6045]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، سمع عُرْوَة يقول : أخبرنا أبو حميد الساعدي قال : استعمل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلا من الأزْد يقال له : ابن اللُّتْبِيَّة على الصدقة ، فجاء فقال : هذا لكم وهذا أهدي لي . فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال : " مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجِيءُ فَيَقُولُ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي . أَفَلا جَلَسَ{[6046]} فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لا ؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ " ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ " ثَلاثًا .

وزاد هشَام بن عُرْوَة : فقال{[6047]} أبو حميد : بَصَرُ عيني ، وسمع أذني ، وسلوا{[6048]} زيد بن ثابت .

أخرجاه من حديث سفيان بن عيينة{[6049]} وعند البخاري : وسلوا زيد بن ثابت . ومن غير وجه عن الزهري ، ومن طريق{[6050]} عن هشام بن عروة ، كلاهما عن عروة ، به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا إسماعيل بن عَيَّاش ، عن يحيى بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي حُمَيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هَدَايا الْعُمَّالِ غُلُولٌ " .

وهذا الحديث من أفراد أحمد{[6051]} وهو ضعيف الإسناد ، وكأنه مختصر من الذي قبله ، والله أعلم .

حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي في كتاب الأحكام ، حَدّثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا أبو أسامة ، عن داود بن يزيد الأوْدَي ، عن المغيرة بن شِبْل ، عن قيس بن أبي حازم ، عن معاذ بن جَبَل قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، فلما سرت أرسل في أثَري فَرُددتُ ، فقال : " أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إلَيْكَ ؟ لا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِي فَإنَّهُ غُلُولٌ ، { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } لهذا دَعَوْتُكَ ، فَامْضِ لِعَمَلِكَ " .

هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفي الباب عن عَدِيّ بن عَميرة ، وبُرَيدة ، والمستورد بن شداد ، وأبي حُمَيد ، وابن عمر{[6052]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة ، حدثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التّيْميّ ، عن أبي زُرْعَة بن عُمَر بن جرير ، عن أبي هريرة ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فذكر الغُلُول فعَظَّمه وعَظَّم أمره ، ثم قال : " لا أُلْفِيَنَّ أَحَدُكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي . فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ . لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي . فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ . لا أُلْفِيَنَّ أَحَدُكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدُكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي . فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ " .

أخرجاه من حديث أبي حَيَّان ، به{[6053]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، حدثني قيس ، عن عدِيّ بن عُميرَة الكندي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَأَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ عَمِلَ لَنَا [ مِنْكُمْ ]{[6054]} عملا{[6055]} فكَتَمَنَا مِنْهُ{[6056]} مِخْيَطا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلُّ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قال : فقال{[6057]} رجل من الأنصار أسود - قال مُجَالد : هو سعيد{[6058]} بن عبادة - كأني أنظر إليه ، فقال : يا رسول الله ، اقبل عني عملك . قال : " وَمَا{[6059]} ذَاك ؟ " قال : سمعتك تقول كذا وكذا . قال : " وَأَنا أقُولُ ذَاكَ{[6060]} الآن : مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئ بِقَليلِهِ وَكَثِيرِه ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَهُ . وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى " . وكذا رواه مسلم ، وأبو داود ، من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد ، به{[6061]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا أبو إسحاق الفَزَاري ، عن ابن جُرَيج ، حدثني منبوذ ، رجل من آل أبي رافع ، عن الفضل بن عبيد الله{[6062]} بن أبي رافع ، عن أبي رافع قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى العصر رُبَّما ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث معهم حتى ينحدر المغرب{[6063]} قال أبو رافع : فبينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مسرعًا إلى المغرب إذ مر بالبقيع فقال : " أُفٍّ لَكَ . . أُفٍّ لَكَ " مرتين ، فكبر{[6064]} في [ ذرعي ]{[6065]} وتأخرت وظننت أنه يريدني ، فقال : " مَا لَكَ ؟ امش " قال : قلتُ : أحدثت حدثا يا رسول الله ؟ قال : " وَمَا ذَاكَ ؟ " قلت : أفَّفْتَ بي{[6066]} قال : " لا وَلَكِنْ هَذَا قَبْرُ فُلانٍ ، بَعَثْتُهُ{[6067]} سَاعِيًا عَلَى آلِ فُلانٍ ، فَغَلَّ نَمِرَة فَدُرِعَ الآنَ مِثْلَهُ مِنْ نَارٍ " {[6068]} .

حديث آخر : قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن سالم الكوفي المفلوج - وكان بمكة - حدثنا عُبَيْدة بن الأسود ، عن القاسم بن الوليد ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجد ، عن عبادة بن الصامت ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم ، ثم يقول : " مَا لِيَ فِيهِ إلا مِثْلَ مَا لأحَدِكُمْ ، إيَّاكُمْ والْغُلُولَ ، فَإنَّ الْغُلُولَ خزْي عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أدُّوا الخَيْطَ والمِخْيَطَ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ ، وَجَاهِدُوا فِي سبيل الله الْقَرِيب {[6069]}والْبَعِيدَ ، في الْحَضَرِ والسَّفَرِ ، فإنَّ الجِهَادَ بَابٌ مِنْ أبْوَابِ الْجَنَّةِ ، إنَّهُ لَيُنْجِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهَمِّ والْغَمِّ ؛ وأقِيمُوا حُدُودَ اللهِ فِي الْقَرِيبِ والْبَعِيدِ ، وَلا تَأْخُذُكُمْ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائمٍ " . وقد روى ابنُ ماجة بَعْضَه عن المفلوج ، به{[6070]} .

حديث آخر : عن عَمْرو بن شُعَيب ، عن أبيه ، عن جدِّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رُدُّوا الْخِيَاط{[6071]} وَالْمِخْيَطَ ، فَإنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " {[6072]} .

حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن مُطَرِّف ، عن أبي الجَهْم ، عن أبي مسعود الأنصاري قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعيًا ثم قال : " انْطَلِقْ - أَبَا مَسْعُودٍ - لا أُلْفِيَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَجِيءُ عَلَى ظَهْرِكَ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ لَهُ رُغَاءٌ قَدْ غَلَلْتَهُ " . قال : إِذًا لا أَنْطَلِقُ . قال : إِذًا لا أُكْرِهُكَ " . تفرد به أبو داود{[6073]} .

حديث آخر : قال أبو بكر بن مَرْدُويَه : أنبأنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، أنبأنا عبد الحميد بن صالح أنبأنا أحمد بن أبان ، عن علقمة بن مَرْثَد ، عن ابن{[6074]} بُرَيدة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّ الْحَجَرَ لَيُرْمَى بِهِ [ فِي ]{[6075]} جَهَنَّمَ فَيَهْوِي سَبْعِينَ خَرَيِفًا مَا يَبْلُغُ قَعْرَهَا ، وَيُؤْتَى بِالْغُلُولِ فَيُقْذَفُ مَعَهُ " ، ثم يُقَالُ لَمَنْ غَلَّ ائْتِ بِهِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }{[6076]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم{[6077]} بن القاسم ، حدثنا عِكْرِمة بن عمار ، حدثني سماك الحَنفي أبو زُميل ، حدثني عبد الله بن عباس ، حدثني عُمَر بن الخطاب قال : لما كان يومُ خَيْبَر أقبل نَفَر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد ، وفلان شهيد . حتى أَتوْا على رجل فقالوا : فلان شهيد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كَلا إنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا - أو عَبَاءَةٍ " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَا ابْنَ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ : إنَّه لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا الْمُؤْمِنُونَ " . قال : فخرجت فناديت : ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون .

من حديث عكرمة بن عمار به . وقال الترمذي : حسن صحيح{[6078]} .

حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عُبَادة مُصَدقًا ، فقالَ : " إيَّاكَ يَا سَعْدُ أنْ تَجِيء يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ لَهُ رُغَاءٌ " قَالَ : لا آخذه ولا أجيء به . فأعفاه . ثم رواه من طريق عُبَيد الله{[6079]} عن نافع ، به ، نحوه{[6080]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، حدثنا صالح بن محمد بن زائدة ، عن سالم بن عبد الله ، أنه كان مع مَسْلَمة بن عبد الملك في أرض الروم ، فوُجِد في متاع رجل غُلُول . قال : فسأل سالمَ بْنَ عبد الله فقال : حدثني أبي عبدُ الله ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ وَجَدْتُمْ فِي مَتَاعِهِ غُلُولا فأحْرِقُوهُ " : قال : وأحسبه قال : واضربوه قال : فأخرج متاعَه في السوق ، فَوَجَد فيه مصحفا ، فسأل سالم : بعهُ وَتَصَدَّقْ بثمنه .

وهكذا رواه علي بن المديني ، وأبو داود ، والترمذي من حديث عبد العزيز بن محمد الأتَدْرَاوَرْدي{[6081]} - زاد أبو داود : وأبو إسحاق الفزاري - كلاهما عن أبي واقد الليثي الصغير صالح بن محمد بن زائدة ، به{[6082]} .

وقد قال علي بن المديني ، رحمه الله ، والبخاري وغيرهما : هذا حديث منكر من رواية أبي واقد هذا . وقال الدارقطني : الصحيح أنه من فتوى سالم فقط ، وقد ذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الإمام [ أحمد ]{[6083]} بن حنبل ، رحمه الله ، ومن تابعه من أصحابه ، وخالفه أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، والجمهور ، فقالوا : لا يحرق متاع الغالّ ، بل يعزر تعزير مثله . وقال البخاري : وقد امتنع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال ، ولم يحرق متاعه ، والله أعلم .

طريق أخرى عن عمر : قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث : أن موسى بن جُبَير حدثه : أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري حدثه : أن عبد الله بن أنيس حدثه : أنه تذاكر هو وعمر بن الخطاب يوما الصدقة فقال : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة : " مَنْ غَلَّ مِنْهَا بَعِيرًا أوْ شَاةً ، فإنَّهُ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ؟ قال عبد الله بن أنيس : بلى .

ورواه ابن ماجة ، عن عمرو بن سَوّاد ، عن عبد الله بن وهب ، به{[6084]} .

ورواه الأموي عن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : عقوبة الغال

أن يخرج رحله ويحرق على ما فيه .

ثم روي عن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن علي [ رضي الله عنه ]{[6085]} قال : الغال يجمع رحله فيحرق ويجلد دون حد [ المملوك ، ويحرم نصيبه ، وخالفه أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور فقالوا : لا يحرق متاع الغال ، بل يعزر تعزير مثله ، وقد قال البخاري : وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال ولم يحرق متاعه ، والله أعلم ]{[6086]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن خُمَيْر{[6087]} بن مالك قال : أُمر بالمصاحف أن تُغَيَّرَ قال : فقال ابن مسعود : من استطاع منكم أن يَغُلَّ مصحفا{[6088]} فلْيغُلُّه ، فإنه من غَلَّ شيئا جاء به يوم القيامة ، ثم قال{[6089]} قرأت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة ، أفأترك ما أخذتُ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟{[6090]} .

وروى وَكِيع في تفسيره عن شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن إبراهيم ، قال : لما أمر بتحريق{[6091]} المصاحف قال عبد الله : يا أيها الناس ، غُلُّوا المصاحف ، فإنه من غَلّ يأت بما غَلّ يوم القيامة ، ونعم الغُل المصحف . يأتي به أحدكم يوم القيامة{[6092]} .

وقال [ أبو ]{[6093]} داود عن سَمُرَة بن جُنْدُب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة أمر بلالا فينادي في الناس ، فَيَجيئُون بغنائمهم يخمسه ويُقسمه ، فجاء رجل يوما بعد النداء بزمام من شعر فقال : يا رسول الله ، هذا كان مما{[6094]} أصبنا{[6095]} من الغنيمة . فقال : " أسَمِعْتَ بِلالا يُنَادِي ثلاثا ؟ " ، قال : نعم . قال : " فَمَا مَنَعَكَ أنْ تَجِيء بِه ؟ " فاعتذر إليه ، فقال : " كَلا أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَلَنْ أقْبَلَهُ مِنْكَ " {[6096]} .


[6018]:في ر: "شقيق".
[6019]:زيادة من جـ، ر.
[6020]:في جـ، ر، أ، و: "أن هذه الآية نزلت: "وما كان لنبي أن يغل" في قطيفة".
[6021]:في جـ: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها"، وفي أ: "لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها".
[6022]:تفسير الطبري (7/348) وسنن أبي داود برقم (3977) وسنن الترمذي برقم (3009).
[6023]:في أ: "بعضها".
[6024]:في جـ، ر، أ، و: "فسر".
[6025]:زيادة من جـ، ر، أ.
[6026]:في جـ، ر: "النبي صلى الله عليه وسلم قال"
[6027]:في أ، و: "في سبع".
[6028]:المسند (4/140).
[6029]:زيادة من أ، و.
[6030]:صحيح البخاري برقم (2452) وصحيح مسلم برقم (1610).
[6031]:في جـ، ر، أ، و: "أبي".
[6032]:في أ: ": سويد".
[6033]:في أ: "أو ليس".
[6034]:المسند (4/229).
[6035]:في جـ، أ: "شريك".
[6036]:سنن أبي داود برقم (2945).
[6037]:زيادة من و.
[6038]:في جـ: "جعفر".
[6039]:في جـ، ر: "عن".
[6040]:في جـ: "العمي".
[6041]:زيادة من جـ، والطبري.
[6042]:زيادة من جـ، والطبري.
[6043]:زيادة من جـ، ر، والطبري وفي أ، و: "قسمان".
[6044]:في جـ، ر: "أصحاب".
[6045]:تفسير الطبري (7/358).
[6046]:في أ: "أجلس".
[6047]:في أ، و: "قال".
[6048]:في أ: "وسألوا".
[6049]:المسند (5/423) وصحيح البخاري برقم (2597، 7174) وصحيح مسلم برقم (1832).
[6050]:في أ: "طرق".
[6051]:المسند (5/424).
[6052]:سنن الترمذي برقم (1335).
[6053]:المسند (2/426) وصحيح البخاري برقم (3073) وصحيح مسلم برقم (1831).
[6054]:زيادة من جـ، والمسند.
[6055]:في أ، و: "في عمل".
[6056]:في جـ: "من عمل منكم لنا في عمل كتمنا به".
[6057]:في جـ، ر: "فقام".
[6058]:في أ، و: "سعد".
[6059]:في جـ، أ: "فما".
[6060]:في أ: "ذلك".
[6061]:المسند (4/192) وصحيح مسلم برقم (1833).
[6062]:في جـ، ر، أ: "عبد الله".
[6063]:في جـ، ر، أ، و: "للمغرب".
[6064]:في جـ، ر: "فليس".
[6065]:زيادة من جـ، ر، أ، و، والمسند.
[6066]:في جـ، ر، أ، و: "لي".
[6067]:في و: "نبعثه".
[6068]:المسند (6/392).
[6069]:في و: "بالقريب".
[6070]:المسند (5/330) وهذا الحديث من زيادات عبد الله بن أحمد على مسند أبيه، وسنن ابن ماجة برقم (2540).
[6071]:في ر: "المخياط".
[6072]:المسند (2/184).
[6073]:سنن أبي داود برقم (2947).
[6074]:في جـ، ر، أ: "أبي".
[6075]:زيادة من جـ، ر، والمعجم الكبير.
[6076]:ورواه الطبراني في المعجم الكبير (2/21) والبيهقي في شعب الإيمان برقم (4334) من طريق محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد به، وفي إسناده محمد بن أبان الجعفي ضعيف.
[6077]:في جـ: "هشام".
[6078]:المسند (1/30) وصحيح مسلم برقم (114) وسنن الترمذي برقم (1574).
[6079]:في جـ، ر، أ: "عبد الله".
[6080]:تفسير الطبري (7/361).
[6081]:في جـ، ر، أ: "الدراوردي".
[6082]:المسند (1/22) وسنن أبي داود برقم (2713، 2714) وسنن الترمذي برقم (1461) وقال: "حديث غريب".
[6083]:زيادة من جـ، ر، أ.
[6084]:تفسير الطبري (7/360) وسنن ابن ماجة برقم (1810) وقال البوصيري في الزوائد (2/56): "هذا إسناد فيه مقال موسى بن جبير قال فيه ابن حبان في الثقات: يخطئ ويخالف، وقال الذهبي في الكاشف: ثقة، ولم أر لغيرهما فيه كلاما، وعبد الله بن عبد الرحمن ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات".
[6085]:زيادة من ر.
[6086]:زيادة من و.
[6087]:في هـ، جـ، ر: "جبير" وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من المسند (1/414). وانظر تعليق أحمد شاكر على الحديث رقم (3929).
[6088]:في جـ، ر، أ، و: "مصحفه".
[6089]:في جـ، ر: "قال: ثم قال".
[6090]:المسند (1/414) ورواه ابن أبي داود في المصاحف (ص 21) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق به.
[6091]:في أ، و: "بتمزيق".
[6092]:ورواه بن أبي داود في المصاحف (ص 22) من طريق وكيع به.
[6093]:زيادة من جـ، ر.
[6094]:في جـ، ر، أ: "فيما".
[6095]:في ر:، أ: "أصبناه".
[6096]:رواه أبو داود في سننه برقم (2712) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بأنه عن سمرة بن جندب وهم. وقد ذكر هذا الحديث الحافظ المزي من مسند عبد الله بن عمرو في كتابه القيم "تحفة الأشراف".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

{ وما كان لنبي أن يغل } وما صح لنبي أن يخون في الغنائم فإن النبوة تنافي الخيانة ، يقال غل شيئا من المغنم يغل غلولا وأغل إغلالا إذا أخذه في خفية والمراد منه : إما براءة الرسول صلى الله عليه وسلم عما اتهم به إذ روي أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض المنافقين لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ، أو ظن به الرماة يوم أحد حين تركوا المركز للغنيمة وقالوا نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له ولا يقسم الغنائم . وإما المبالغة في النهي للرسول صلى الله عليه وسلم على ما روي أنه بعث طلائع ، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم على من معه ولم يقسم للطلائع فنزلت . فيكون تسمية حرمان بعض المستحقين غلولا تغليظا ومبالغة ثانية . وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب { أن يغل } على البناء للمفعول والمعنى : وما صح له أن يوجد غالا أو أن ينسب إلى الغلول . { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة يأت بالذي غله يحمله على عنقه كما جاء في الحديث أو بما احتمل من وباله وإثمه . { ثم توفى كل نفس ما كسبت } يعني تعطي جزاء ما كسبت وافيا ، وكان اللائق بما قبله أن يقال ثم يوفى ما كسبت لكنه عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه ، فإنه إذا كان كل كاسب مجزيا بعمله فالغال مع عظم جرمه بذلك أولى . { وهم لا يظلمون } فلا ينقص ثواب مطيعهم ولا يزاد في عقاب عاصيهم .