8- الذي أعطى الرسول تلك المعجزة الكبرى هو الذي يعلم كل شيء ، ويعلم النفوس الإنسانية من وجودها نطفة في الرحم إلي موتها ، فيعلم ما تحمل كل أنثى من أجنة ليس فقط من ذكورة أو من أنوثة ، وإنما يعلم حال الجنين ومستقبله في حياته الدنيا شقي أم سعيد ، مؤمن أم كافر ، غنى أم فقير ، ومقدار أجله في الدنيا وكل ما يتصل بشئونه في الحياة .
قوله تعالى : { الله يعلم ما تحمل كل أنثى } ، من ذكر أو أنثى ، سوي الخلق أو ناقص الخلق ، واحدا أو اثنين أو أكثر { وما تغيض الأرحام } ، أي ما تنقص { وما تزداد } . قال أهل التفسير : غيض الأرحام : الحيض على الحمل ، فإذا خاضت الحامل كان نقصانا في الولد ، لأن دم الحيض غذاء الولد في الرحم ، فإذا أهرقت الدم ينقص الغذاء فينتقص الولد ، وإذا لم تحض يزداد الولد ويتم ، فالنقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم ، والزيادة تمام خلقته باستمساك الدم . وقيل : إذا حاضت ينتقص الغذاء وتزداد مدة الحمل حتى تستكمل تسعة أشهر ظاهرا ، فإن رأت خمسة أيام دما وضعت لتسعة أشهر وخمسة أيام ، فالنقصان في الغذاء ، والزيادة في المدة . وقال الحسن : غيضها : نقصانها من تسعة أشهر ، والزيادة : زيادتها على تسعة أشهر . وقيل النقصان : السقط ، والزيادة : تمام الخلق . وأقل مدة الحمل : ستة أشهر ، فقد يولد المولود لهذه المدة ويعيش . واختلفوا في أكثرها : فقال قوم : أكثرها سنتان ، وهو قول عائشة رضي الله عنها ، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله . وذهب جماعة إلى أن أكثرها أربع سنين ، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله ، قال حماد بن سلمة . إنما سمي هرم بن حيان هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين . { وكل شيء عنده بمقدار } ، أي : بتقدير وحد لا يجاوزه ولا يقصر عنه .
{ 8 - 11 } { اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ }
يخبر تعالى بعموم علمه وسعة اطلاعه وإحاطته بكل شيء فقال : { اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى } من بني آدم وغيرهم ، { وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ } أي : تنقص مما فيها إما أن يهلك الحمل أو يتضاءل أو يضمحل { وَمَا تَزْدَادُ } الأرحام وتكبر الأجنة التي فيها ، { وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ } لا يتقدم عليه ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص إلا بما تقتضيه حكمته وعلمه .
ثم صور - سبحانه - سعة علمه تصويراً عميقاً ، تقشعر منه الجلود ، وترتجف له المشاعر ، وساق سنة من سننه التي لا تتغير ولا تتبدل ، فقال - تعالى - :
{ لِّيَسْأَلَ الصادقين عَن صِدْقِهِمْ . . . } .
قوله - سبحانه - { الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ } كلام مستأنف مسوق لبيان كمال علمه وقدرته - سبحانه - .
{ وتغيض } من الغيض النقص . يقال : غاض الماء إذا نقص .
و { ما } موصولة والعائد محذوف . أى : الله وحده هو الذي يعلم ما تحمله كل أنثى في بطنها من علقة أو مضغة ومن ذكر أو أنثى . . . وهو وحده - سبحانه - الذي يعلم ما يكون في داخل الأرحام من نقص في الخلقة أو زيادة فيها ، ومن نقص في مدة الحمل أو زيادة فيها ، ومن نقص في العدد أو زيادة فيه . . .
قال ابن كثير : " قوله { وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ } قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن المنذر . حدثنا معن ، حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " مفاتيح الغيب خمس لا يعملها إلا الله : لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتى المطر إلا الله ، ولا تدري نفس بأى أرض تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله " .
وقال العوفى عن ابن عباس { وَمَا تَغِيضُ الأرحام } يعنى السقط { وَمَا تَزْدَادُ } .
يقول : ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما . وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ، ومنهن من تحمل تسعة أشهر ، ومنهم من تزيد في الحمل ومنهن من تنقص . فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله - تعالى - وكل ذلك بعلمه - سبحانه- .
وقوله : { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } أى : وكل شئ عنده - سبحانه - بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه ، كما قال - تعالى - { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } وكما قال - تعالى - { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } فهو - سبحانه - يعلم كمية كل شئ وكيفيته وزمانه ومكانه وسائر أحواله .
وبذلك تنتهي الجولة الأولى في الآفاق ، والتعقيبات عليها . ليبدأ السياق جولة جديدة في واد آخر : في الأنفس والمشاعر والأحياء :
( الله يعلم ما تحمل كل أنثى ، وما تغيض الأرحام وما تزداد ، وكل شيء عنده بمقدار . عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال . سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار . له معقبات من بين يديه ومن خلفه - يحفظونه - من أمر الله . إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ، وما لهم من دونه من وال ) . .
ويقف الحس مشدوها يرتعش تحت وقع هذه اللمسات العميقة في التصوير ، وتحت إيقاع هذه الموسيقى العجيبة في التعبير . يقف مشدوها وهو يقفو مسارب علم الله ومواقعه ؛ وهو يتبع الحمل المكنون في الأرحام ، والسر المكنون في الصدور ، والحركة الخفية في جنج الليل ؛ وكل مستخف وكل سارب وكل هامس وكل جاهر . وكل أولئك مكشوف تحت المجهر الكاشف ، يتتبعه شعاع من علم الله ، وتتعقبه حفظة تحصي خواطره ونواياه . . ألا إنها الرهبة الخاشعة التي لا تملك النفس معها إلا أن تلجأ إلى الله ، تطمئن في حماه . . وإن المؤمن بالله ليعلم أن علم الله يشمل كل شيء . ولكن وقع هذه القضية الكلية في الحس ، لا يقاس إلى وقع مفرداتها كما يعرض السياق بعضها في هذا التصوير العجيب .
وأين أية قضية تجريدية ، وأية حقيقة كلية في هذا المجال من قوله :
( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد . وكل شيء عنده بمقدار )?
حين يذهب الخيال يتتبع كل أنثى في هذا الكون . . المترامي الأطراف . . كل أنثى . . كل أنثى في الوبر والمدر ، في البدو والحضر ، في البيوت والكهوف والمسارب والغابات . ويتصور علم الله مطلا على كل حمل في أرحام هذه الإناث ، وعلى كل قطرة من دم تغيض أو تزداد في تلك الأرحام !
وأين أية قضية تجريدية وأية حقيقة كلية في هذا المجال من قوله :
( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار . له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله )?
حين يذهب الخيال يتتبع كل هامس وكل جاهر ، وكل مستخف وكل سارب في هذا الكون الهائل . ويتصور علم الله يتعقب كل فرد من بين يديه ومن خلفه ، ويقيد عليه كل شاردة وكل واردة آناء الليل وأطراف النهار !
إن اللمسات الأولى في آفاق الكون الهائل ليست بأضخم ولا أعمق من هذه اللمسات الأخيرة في أغوار النفس والغيب ومجاهيل السرائر . وإن هذه لكفء لتلك في مجال التقابل والتناظر . .
ونستعرض شيئا من بدائع التعبير والتصوير في تلك الآيات :
( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد . وكل شيء عنده بمقدار ) . . فلما أن صور العلم بالغيض والزيادة في مكنونات الأرحام ، عقب بأن كل شيء عنده بمقدار . والتناسق واضح بين كلمة مقدار وبين النقص والزيادة . والقضية كلها ذات علاقة بإعادة الخلق فيما سبق من ناحية الموضوع . كما أنها من ناحية الشكل والصورة ذات علاقة بما سيأتي بعدها من الماء الذي تسيل به الأودية " بقدرها " في السيولة والتقدير . . كما أن في الغيض والزيادة تلك المقابلة المعهودة في جو السورة على الإطلاق . .
يخبر تعالى عن تمام علمه الذي لا يخفى عليه شيء ، وأنه محيط بما تحمله الحوامل من كل إناث الحيوانات ، كما قال تعالى : { وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } [ لقمان : 34 ] أي : ما حملت من ذكر أو أنثى ، أو حسن أو قبيح ، أو شقي أو سعيد ، أو طويل العمر أو قصيره ، كما قال تعالى : { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [ النجم : 32 ] .
وقال تعالى : { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ } [ الزمر : 6 ] أي : خلقكم طورا من بعد طور ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 12 : 14 ] وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال : قال رسول الله{[15457]} صلى الله عليه وسلم : " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات : يَكْتب رزقه ، وعمره ، وعمله ، وشقي أو سعيد " {[15458]} .
وفي الحديث الآخر : " فيقول الملك : أيْ رب ، أذكر أم أنثى ؟ أي رب ، أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيقول الله ، ويكتب الملك " {[15459]} .
وقوله : { وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا مَعْن ، حدثنا مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها{[15460]} إلا الله : لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله " {[15461]} .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : { وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ } يعني : السَقْط { وَمَا تَزْدَادُ } يقول : ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما . وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ، ومنهن من تحمل تسعة أشهر ، ومنهن من تزيد في الحمل ، ومنهن من تنقص ، فذلك الغيض{[15462]} والزيادة التي ذكر الله تعالى ، وكل ذلك بعلمه تعالى .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } قال : ما نقصت من تسعة وما زاد عليها .
وقال الضحاك : وضعتني أمي وقد حملتني في بطنها سنتين ، وولدتني وقد نبتت ثنيَّتي .
وقال ابن جُرَيْج ، عن جميلة بنت سعد ، عن عائشة قالت : لا يكون الحمل أكثر من سنتين ، قدر ما يتحرك ظِل مغْزَل .
وقال مجاهد : { وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } قال : ما ترى من الدم في حملها ، وما تزداد على تسعة أشهر . وبه قال عطية العوفي وقتادة ، والحسن البصري ، والضحاك .
وقال مجاهد أيضا : إذا رأت المرأة الدم دون التسعة زاد على التسعة ، مثل أيام الحيض . وقاله عِكْرِمة ، وسعيد بن جبير ، وابن زيد .
وقال مجاهد أيضا : { وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ } إراقة المرأة حتى يخس الولد { وَمَا تَزْدَادُ } إن لم تهرق المرأة تم الولد وعظم .
وقال مكحول : الجنين في بطن أمه لا يطلب ، ولا يحزن ولا يغتم ، وإنما يأتيه رزقه في بطن أمه من دم حيضتها{[15463]} فمن ثم لا تحيض الحامل . فإذا وقع إلى الأرض استهل ، واستهلاله استنكار{[15464]} لمكانه ، فإذا قطعت سرته حول الله رزقه إلى ثديي أمه حتى لا يطلب ولا يحزن ولا يغتم ، ثم يصير طفلا يتناول الشيء بكفه فيأكله ، فإذا هو بلغ قال : هو الموت أو القتل ، أنَّى لي بالرزق ؟ فيقول مكحول : يا ويلك{[15465]} ! غَذاك وأنت في بطن أمك ، وأنت طفل صغير ، حتى إذا اشتددت وعقلت قلت : هو الموت أو القتل ، أنى لي بالرزق ؟ ثم قرأ مكحول : { اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ }
وقال قتادة : { وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ } أي : بأجل ، حفظ أرزاق خلقه وآجالهم ، وجعل لذلك أجلا معلومًا .
وفي الحديث الصحيح : أن إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم بعثت إليه : أن ابنا لها في الموت ، وأنها تحب أن يحضره . فبعث إليها يقول : " إن لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فمروها
فلتصبر ولتحتسب " الحديث بتمامه{[15466]}
القول في تأويل قوله تعالى : { اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلّ أُنثَىَ وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } .
يقول تعالى ذكره : وَإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلهُمْ أئِذَا كُنّا تُرَابا أئِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ منكرين قدرة الله على إعادتهم خَلقا جديدا بعد فنائهم وبلائهم ، ولا ينكرون قدرته على ابتدائهم وتصويرهم في الأرحام وتدبيرهم وتصريفهم فيها حالاً بعد حال . فابتدأ الخبر عن ذلك ابتداء ، والمعنى فيه ما وصفت ، فقال جلّ ثناؤه : اللّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ يقول : وما تنقص الأرحام من حملها في الأشهر التسعة بإرسالها دم الحيض ، وما تزداد في حملها على الأشهر التسعة لتمام ما نقص من الحمل في الأشهر التسعة بارسالها دم الحيض . وكُلّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ لا يجاوز شيء من قَدَره عن تقديره ، ولا يقصر أمر أراده فدبره عن تدبيره ، كما لا يزداد حمل أنثى على ما قدر له من الحمل ، ولا يقصر عما حدّ له من القَدْر والمِقدار ، مفعال من القدر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن ماهانَ ، قال : حدثنا القاسم بن مالك ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : ما رأت المرأة من يوم دما على حملها زاد في الحمل يوما .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : اللّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ يعني السّقط . وَما تَزْدَادُ يقول : ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ومنهنّ من تحمل تسعة أشهر ، ومنهنّ من تزيد في الحمل ومنهنّ من تنقص ، فذلك الغيَض والزيادة التي ذكر الله ، وكلّ ذلك بعلمه .
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، قال : حدثنا عبد السلام ، قال : حدثنا خَصِيف ، عن مجاهد أو سعيد بن جبير في قول الله : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : غيضها دون التسعة ، والزيادة فوق التسعة .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن مجاهد ، أنه قال : الغيض : ما رأت الحامل من الدم في حملها ، فهو نقصان من الولد ، والزيادة : ما زاد على التسعة أشهر ، فهو تمام للنقصان وهو زيادة .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، في قوله : وَماتَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال : ما ترى من الدم ، وما تزداد على تسعة أشهر .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، أنه قال : يَعْلَمُ وما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال : ما زاد على التسعة الأشهر وما تغيض الأرحام : قال : الدم تراه المرأة في حملها .
حدثني المثنى ، حدثنا عمرو بن عون والحجاج بن المنهال ، قالا : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، في قوله : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال : الغيض : الحامل ترى الدم في حملها فهو الغيض ، وهو نقصان من الولد ، وما زاد على تسعة أشهر فهو تمام لذلك النقصان ، وهي الزيادة .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبد السلام ، عن خصيف ، عن مجاهد : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال : إذا رأت دون التسعة زاد على التسعة مثل أيام الحيض .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : خروج الدم . وَما تَزْدَادُ قال : استمساك الدم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ إراقة المرأة حتى يَخس الولد . وَما تَزْدَادُ قال : إن لم تهرق المرأة تمّ الولد وعظُم .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا شعبة ، عن جعفر ، عن مجاهد ، في قوله : وقوله : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال : المرأة ترى الدم وتحمل أكثر من تسعة أشهر .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : هي المرأة ترى الدم في حملها .
قال : حدثنا شبابة ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَما تَغِيضُ الأرحامُ وَما تَزْدَادُ إهراق الدم حتى يخس الولد ، وتزداد إن لم تهرق المرأة تمّ الولد وعظم .
قال : حدثنا الحكم بن موسى ، قال : حدثنا هقل ، عن عثمان بن الأسود ، قال : قلت لمجاهد : امرأتي رأت دما ، وأرجو أن تكون حاملاً قال أبو جعفر : هكذا هو في الكتاب فقال مجاهد : ذاك غيض الأرحام يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدادُ وكُلّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ . الولد لا يزال يقع في النقصان ما رأت الدم ، فإذا انقطع الدم وقع في الزيادة ، فلا يزال حتى يتم ، فذلك قوله : وَمَا تَغِيضُ الأرْحامُ وَمَا تَزْدَادُ ، وَكُلّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ .
قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن مجاهد ، في قوله : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال : الغَيْض : الحامل ترى الدم في حملها ، وهو الغَيض ، وهو نقصان من الولد ، فما زادت على التسعة الأشهر ، فهي الزيادة ، وهو تمام للولادة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عكرمة في هذه الآية : اللّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : كلما غاضت بالدم زاد ذلك في الحمل .
قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عكرمة نحوه .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عباد بن العوّام ، عن عاصم ، عن عكرمة : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : غيض الرحم : الدم على الحمل كلما غاض الرحم من الدم يوما زاد في الحمل يوما حتى تستكمل وهي طاهرة .
قال : حدثنا عباد ، عن سعيد ، عن يَعْلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، مثله .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا الوليد بن صالح ، قال : حدثنا أبو يزيد ، عن عاصم ، عن عكرمة في هذه الآية : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : هو الحيض على الحمل . وَما تَزْدَادُ قال : فلها بكلّ يوم حاضت على حملها يوم تزداده في طهرها حتى تستكمل تسعة أشهر طاهرا .
قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا عمران بن حدير ، عن عكرمة ، في قوله : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال : ما رأت الدم في حملها زاد في حملها .
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ ما تغيض : أقلّ من تسعة ، وما تزداد : أكثر من تسعة .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى ، قال : سمعت الضحاك يقول : قد يُولد المولود لسنتين ، قد كان الضحاك ولد لسنتين ، والغيض : ما دون التسعة ، وما تزداد : فوق تسعة أشهر .
قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدادُ قال : دون التسعة ، وما تزداد : قال : فوق التسعة .
قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : ولدت لسنتين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا الضحاك : أن أمه حملته سنتين ، قال : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : ما تنقص من التسعة وَما تَزْدَادُ قال : ما فوق التسعة .
قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : اللّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : كلّ أنثى من خلق الله .
قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، ومنصور عن الحسن ، قالا : الغَيْض ما دون التسعة الأشهر .
قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن داود بن عبد الرحمن ، عن ابن جريج ، عن جميلة بنت سعد ، عن عائشة قالت : لا يكون الحمل أكثر من سنتين ، قدر ما يتحولّ ظلّ مغزل .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : هو الحمل لتسعة أشهر وما دون التسعة . وَما تَزْدَادُ قال : على التسعة .
قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه ، عن سعيد بن جبير : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : حيض المرأة على ولدها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَمَا تَغِيضُ الأرْحامٌ وَما تَزْدَادُ . قال : الغيض : السّقْط وما تزداد : فوق التسعة الأشهر .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن سعيد بن جبير : إذا رأت المرأة الدم على الحمل ، فهو الغيض للولد . يقول : نقصان في غذاء الولد ، وهو زيادة في الحمل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيدُ ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : اللّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال : كان الحسن يقول : الغيضوضة أن تضع المرأة لستة أشهر أو لسبعة أشهر ، أو لما دون الحدّ . قال قتادة : وأما الزيادة ، فما زاد على تسعة أشهر .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال : غيض الرحم : أن ترى الدم على حملها ، فكلّ شيء رأت فيه الدم على حملها ازدادت على حملها مثل ذلك .
قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد ، قال : إذا رأت الحاملُ الدم كان أعظم للولد .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ الغيض : النقصان من الأجل ، والزيادة : ما زاد على الأجل وذلك أن النساء لا يلدن لعدّة واحدة ، يولد المولود لستة أشهر فيعيش ، ويولد لسنتين فيعيش ، وفيما بين ذلك . قال : وسمعت الضحاك يقول : ولدت لسنتين ، وقد نبتت ثناياي .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال : غيض الأرحام : الإهراقة التي تأخذ النساء على الحمل ، وإذا جاءت تلك الإهراقة لم يعتدّ بها من الحمل ونقص ذلك حملها حتى يرتفع ذلك وإذا ارتفع استقبلت عِدة مستقبلة تسعة أشهر وأما ما دامت ترى الدم فإن الأرحام تغيض وتنقص والولد يرقّ ، فإذا ارتفع ذلك الدم ربا الولد واعتَدّت حين يرتفع عنها ذلك الدم ، عِدّة الحمل تسعة أشهر ، وما كان قبله فلا تعتدّ به هو هِراقة يُبْطل ذلك أجمع أكتع .
وقوله : وكُلّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وكُل شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ إي والله ، لقد حفظ عليهم رزقهم وآجالهم ، وجعل لهم أجلاً معلوما .