المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ} (8)

لما تقدم تعجب الكفار واستبعادهم البعث من القبور - قص في هذه الآيات المثل المنبهة على قدرة الله تعالى القاضية بتجويز البعث :

فمن ذلك هذه الواحدة من الخمس التي هي من مفاتيح الغيب ، وهي أن الله تعالى انفرد بمعرفة ما تحمل به الإناث ، من الأجنة من كل نوع من الحيوان ؛ وهذه البدأة{[6911]} تبين أنه لا تتعذر على القادر عليها الإعادة .

و { ما } في قوله : { ما تحمل } يصح أن تكون بمعنى الذي ، مفعولة { يعلم } ويصح أن تكون مصدرية ، مفعولة أيضاً ب { يعلم } ، ويصح أن تكون استفهاماً في موضع رفع بالابتداء ، والخبر : { تحمل } وفي هذا الوجه ضعف{[6912]} .

وفي مصحف أبي بن كعب : «ما تحمل كل أنثى وما تضع » .

وقوله : { وما تغيض الأرحام } معناه : ما تنقص ، وذلك أنه من معنى قوله : { وغيض الماء }{[6913]} [ هود : 44 ] وهو بمعنى النضوب فهي - هاهنا - بمعنى زوال شيء عن الرحم وذهابه ، فلما قابله قوله : { وما تزداد } فسر بمعنى النقصان : ثم اختلف المتأولون في صورة الزيادة والنقصان : فقال مجاهد «غيض الرحم » أن يهرق دماً على الحمل ، وإذا كان ذلك ضعف الولد في البطن وشحب ، فإذا أكملت الحامل تسعة أشهر لم تضع وبقي الولد في بطنها زيادة من الزمن يكمل فيها من جسمه وصحته ما نقص بمهراقة الدم ، فهذا هو معنى قوله : { وما تغيض الأرحام وما تزداد } وجمهور المتأولين على أن غيض الرحم الدم على الحمل .

وذهب بعض الناس إلى أن غيضه هو نضوب الدم فيه وامتساكه بعد عادة إرساله بالحيض ، فيكون قوله : { وما تزداد } - بعد ذلك - جارياً مجرى { تغيض } على غير مقابلة ، بل غيض الرحم هو بمعنى الزيادة فيه .

وقال الضحاك : غيض الرحم أن تسقط المرأة الولد ، والزيادة أن تضعه لمدة كاملة تاماً في خلقه .

وقال قتادة : الغيض : السقط ، والزيادة : البقاء بعد تسعة أشهر .

وقوله : { وكل شيء عنده بمقدار } لفظ عام في كل ما يدخله التقدير .


[6911]:البدء والبدأة والبدأة والبديئة والبداءة والبداءة كلها بمعنى واحد وهو فعل الشيء أول، وبالنسبة لله تعالى يكون المعنى: هو الذي أنشأ الأشياء واخترعها ابتداء من غير سابق مثال. (اللسان).
[6912]:إذا كانت [ما] اسم موصول كان العائد عليها في صلاتها محذوفا، ويكون [تغيض] متعديا، وإذا كانت مصدرية كان كل من [تغيض] و[تزداد] لازما، وثابت عن العرب سماع تعديتهما ولزومهما، وعلى الإعراب الثالث الذي ضعفه ابن عطية تكون الجملة الاستفهامية في موضع المفعول. و [تحمل] هنا بمعنى حمل البطن وليست بمعنى الحمل على الظهر.
[6913]:من الآية (44) من سورة (هود).