غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ} (8)

1

ثم أكد المعاني المذكورة في الآيات السابقة بقوله : { الله يعلم } لأنه إذا كان عالماً بجميع المعلومات قدر على تمييز أجزاء بدن كل مكلف من غيره فلا يستنكر منه البعث ، ويكون نزول العذاب مفوّضاً إلى عمله فلا يجوز استعجاله به ، وكذا إنزال الآيات يكون موكولاً إلى تدبيره فإن علم أن المكلفين اقترحوها لأجل الاسترشاد ومزيد البيان أظهرها الله تعالى لهم وإلا فلا ، وفيه أن إعطاءه كل منذر آيات خلاف آيات غيره أمر مدبر بالعلم النافذ مقدر بالحكمة الربانية . وعلى القول الثاني فيه أن من هذه قدرته وهذا علمه وهو القادر وحده على هدايتهم بأي طريق شاء ، وعلى هذا احتمل أن يكون { الله } خبر مبتدأ محذوف والجملة مفسرة ل { هاد } أي هو الله . ثم ابتدأ فقيل : { يعلم } { ما تحمل كل أنثى } قال في الكشاف : لفظة " ما " في { ما تحمل } و { ما تغيض } و{ ما تزداد } إما أن تكون مصدرية والمعنى يعلم حمل كل أنثى ويعلم غيض الأرحام وازديادها أو غيوض ما فيها وزيادته على أن الفعلين غير متعديين فأسند الفعل إلى الأرحام وهو لما فيها . والازدياد " افتعال " من زاد فأبدلت التاء دالاً ، وإنه يتعدى ولا يتعدى كثلاثيه . أو موصولة والمراد يعلم ما تحمله من الولد ذكورته وأنوثته وتخاطيط أعضائه وسائر أحواله من السعادة وضدها ومن العلم وضده إلى غير ذلك ، ويعلم ما تغيضه الأرحام أي تنقصه كقوله : { وغيض الماء } [ هود : 44 ] وما تزداده من العدد فقد يكون واحداً وأكثر ، ومن الخلقة فقد يكون تماماً أو مخدجاً ، ومن المدة فقد يكون أقل من تسعة أشهر أو أزيد إلى سنتين عند أبي حنيفة ، وإلى أربع عند الشافعي ، وإلى خمس عند مالك ، ومن دم الحيض . قال ابن عباس : كلما سال الحيض يوماً زاد في مدة الحمل يوماً ليحصل الجبر ويعتدل الأمر . ثم بين كمال علمه ونفاذ أمره بقوله : { وكل شيء عنده بمقدار } واحد لا يتجاوزه في طرفي التفريط والإفراط ، والمراد بالعندية العلم كما يقال : هذه المسألة عند الشافعي كذا . وذلك أنه سبحانه خصص كل حادث بوقت معين وحالة معينة حسب مشيئته الأزلية وإرادته السرمدية . وقال حكماء الإسلام : وضع أسباباً كلية وأودع فيها قوى وخواص وحرك الأجرام بحيث يلزم من حركاتها المقدرة بالمقادير المخصوصة أحوال جزئية معينة ومناسبات معلومة مقدّرة ، ومن جملتها أفعال العباد وأحوالهم وخواطرهم ولذلك ختم الآية بقوله : { عالم الغيب والشهادة } .

/خ11