التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ} (8)

قوله تعالى { الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد }

قال الشيخ الشنقيطي : لفظه في هذه الآية يحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف ، أي يعلم الذي تحمله كل أنثى وعلى هذا فالمعنى : يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة ، وخداج ، وحسن وقبح ، وطول وقصر ، وسعادة وشقاوة إلى غير ذلك من الأحوال . وقد دلت على هذا المعنى آيات من كتاب الله كقوله : { ويعلم ما في الأرحام } ، لأن ما فيه موصولة بلا نزاع ، وكقوله : { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم } وقوله : { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } الآية .

ويحتمل أيضا أن تكون لفظة ما في هذه الآية الكريمة مصدرية ، أي يعلم حمل كل أنثى بالمعنى المصدري ، وقد جاءت آيات تدل أيضا على هذا المعنى كقوله { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب } ، وقوله : { إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه } الآية .

قال البخاري : حدثني إبراهيم ابن المنذر ، حدثنا معن قال : حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله " .

( الصحيح8/225-ك التفسير-سورة الرعد ح4697 ) .

قال البخاري : حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، حدثنا شعبة ، أنبأني سليمان الأعمش قال : سمعت زيد بن وهب ، عن عبد الله قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال : " إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع : برزقه وأجله ، وشقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح . فوالله إن أحدكم -أو الرجل- ليعمل بعمل أهل النار ، حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها . وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها " قال آدم : إلا ذراع .

( الصحيح11/486ح6594-القدر ) ، وأخرجه مسلم ( الصحيح-ك القدر ، ب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه ) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله : { وما تغيض الأرحام وما تزداد } قال : المرأة ترى الدم ، وتحمل أكثر من تسعة أشهر .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله : { الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد } ، قال : كان الحسن يقول : الغيضوضة ، أن تضع المرأة لستة أشهر أو لسبعة أشهر ، أو لما دون الحد ، قال قتادة : وأما الزيادة فما زاد على تسعة أشهر .

قوله تعالى { وكل شيء عنده بمقدار }

قال البخاري : حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا إسرائيل ، عن عاصم ، عن أبي عثمان ، عن أسامة قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رسول إحدى بناته -وعنده سعد وأبيّ بن كعب ومعاذ- أن ابنها يجود بنفسه ، فبعث إليها : " لله ما أخذ ولله ما أعطى ، كل بأجل ، فلتصبر ولتحتسب " .

( الصحيح11/503 ح6602-ك القدر ، ب{ وكان أمر الله قدرا مقدورا } ، وأخرجه مسلم ( الصحيح2/635-636 ح923-ك الجنائز ، ب البكاء على الميت ) .

ورواية الطبري الآتية تبين مناسبة إيراد حديث البخاري عند الآية .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله : { وكل شيء عنده بمقدار } ، إي والله ، لقد حفظ عليهم رزقهم وآجالهم ، وجعل لهم أجلا معلوما .